باب الصلاة خلف من لا يقتدى به
اتّفق الأصحاب على استحباب حضور جماعة أهل الخلاف تقيّة وصورة الائتمام بهم استحبابا مؤكّدا ، بل قد يجب ، روى الصّدوق في الصحيح عن زيد الشّحام، عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «يا زيد ، خالقوا النّاس بأخلاقهم ، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفريّة رحم اللّه جعفرا ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفريّة ، فعل اللّه بجعفر ما كان أسوء ما يؤدّب أصحابه» . ۱
وفي الصّحيح عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كمن صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الصفّ الأوّل» . ۲
وفي الصّحيح عن حفص البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «يحسب لك إذا دخلت معهم ، وإن كنت لا تقتدي بهم، مثل ما يكتب لك إذا كنت مع من يقتدى به» ، ۳ وغير ذلك ممّا لا يحصى .
وإنّما يفعل معهم صورة الاقتداء وينوى الصلاة فذّا ، ۴
ويقرأ في نفسه ولو كانت الصلاة جهريّة ، كما هو ظاهر أكثر أخبار الباب ، وما رواه الشيخ عن محمّد بن إسحاق ومحمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النّفس» . ۵
وعن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرّجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر القراءة ، قال : «اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس» . ۶
وفي المنتهى :
لا يقال : قد روى الشيخ في الموثّق عن بكير بن أعين ، قال :
سألت : أبا عبد اللّه عليه السلام عن النّاصب ياُمّنا ، ما نقول في الصلاة معه ؟ فقال : «أمّا إذا جهر فانصت للقرآن واستمع ، ثمّ اركع واسجد أنت لنفسك». ۷
وهذا يدلّ على سقوط القراءة معهم .
لأنّا نقول : لا يلزم من الإنصات عدم القراءة ؛ لجواز أن ينصت وقت القراءة ويقرأ وقت السكوت ، كما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ عليّا عليه السلام كان في صلاة الصبح ، فقال ابن الكوّاء وهو خلفه : «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَىالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ»۸ إلى آخر الآية ، فأنصت عليّ عليه السلام حتّى فرغ منها ، ثمّ عاد في قراءته ، ثمّ أعاد ابن الكوّا الآية ، فانصت عليّ عليه السلام أيضا ، ثمّ قرأ فأعاد ابن الكوّا الآية ، فانصت عليّ عليه السلام أيضا ، ثمّ قال : «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» ، ۹ ثمّ أتمّ السورة ، ثمّ ركع ». ۱۰
ويحتمل أيضا أن يكون الإنصات للتقيّة . ۱۱ انتهى .
فإن لم يسع قراءة الحمد والسورة يقرأ ما يسعه الوقت ويركع مع الإمام ويسقط وجوب الباقي ؛ لما رواه الشيخ عن عليّ بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهماالسلامفي الرّجل يكون خلف إمام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة ، قال : «إذا كان قد قرأ اُم الكتاب أجزأه ، يقطع ويركع ». ۱۲
وهو وإن دلّ بالمفهوم على أنّه متى لم يقرأ فاتحة الكتاب لم تجزه الصلاة لكن المفهوم ليس بحجّة ، بل لو لم يقرأ أصلاً أجزأته ويركع بركوع الإمام ، فقد قال الشيخ في التهذيب : «الإنسان إذا لم يلحق بالقراءة معهم جاز له ترك القراءة والاعتداد ۱۳ بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع ». ۱۴
واحتجّ عليه بخبر إسحاق بن عمّار، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم ، فلا يمكنني أن اُؤذّن واُقيم واُكبّر ، فقال لي : «فإن كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتدّ بها ، فإنّها من أفضل ركعاتك» . قال إسحاق : فلمّا سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغلام : انظر اُقيمت ۱۵ الصلاة ؟ فجاءني فقال : نعم، فقمت مبادرا فدخلت المسجد ، فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أوّل صفّ أدركت ، واعتددت بها ، ثمّ صلّيت بعد الانصراف أربع ركعات ، ثمّ انصرفت فإذا خمسة أو ستّة من جيراني قدموا إليّ من المخزوميّين والاُمويّين فأقعدوني، ثمّ قالوا : يا باهاشم ، جزاك اللّه عن نفسك خيرا، فقد ـ واللّه ـ رأينا خلاف ما ظنّنا بك ، وما قيل فيك ، فقلت : وأيّ شيء ذلك ؟ فقالوا تبعناك حتّى قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنّك لا تقتدي بالصّلاة معنا ، فقد وجدناك قد اعتددت بالصّلاة معنا وصلّيت بصلاتنا ، رضي اللّه عنك وجزاك خيرا . قال : فقلت لهم : سبحان اللّه ، ألمثِلي يقال هذا ؟ قال : فعلمت أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام لم يأمرني بذلك إلّا هو يخاف عليّ هذا وشبهه . ۱۶
وإذا فرغ من القراءة قبل الإمام يسبّح حتّى يركع الإمام، والأفضل أن يبقي آية من السورة حتّى يقرأ متّصلاً بالركوع ؛ لموثقة زرارة، ۱۷ وخبر إسحاق بن عمّار . ۱۸
1.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۲۸۳ ، ح ۱۱۲۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۴۳۰ ، ح ۱۱۰۹۲ .
2.أمالي الصدوق ، المجلس ۵۸ ، ح ۱۶ ؛ الاعتقادات ، ص ۱۰۹ ؛ الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۸۲ ، ح ۱۱۲۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۲۹۹ ، ح ۱۰۷۱۷ .
3.الفقيه، ج ۱، ص ۳۸۳، ح ۱۱۲۶؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۲۶۵ ـ ۲۶۶، ح ۷۵۲؛ ونحوه في الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۸، ص ۲۹۹، ح ۱۰۷۱۹.
4.الفذّ : الفرد . مجمع البحرين ، ج ۳ ، ص ۳۷۴ (فذذ) .
5.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۶ ، ح ۱۲۸ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۳۰ ، ح ۱۶۶۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۶۴ ، ح ۱۰۹۱۴ .
6.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۶ ، ح ۱۲۹ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۳۰ ـ ۴۳۱ ، ح ۱۶۶۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۲۷ ـ ۱۲۸ ، ح ۷۵۲۳ ؛ وج ۸ ، ص ۳۶۳ ، ح ۱۰۹۱۱ .
7.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۵ ، ح ۱۲۶ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۳۰ ، ح ۱۶۶۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۶۸ ، ح ۱۰۹۲۴ .
8.الزمر (۳۹) : ۶۵ .
9.الروم (۳۰) : ۶۰ .
10.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۵ ـ ۳۶ ، ح ۱۲۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۶۷ ، ح ۱۰۹۲۳ .
11.منتهى المطلب ، ج ۶ ، ص ۲۶۵ ـ ۲۶۶ .
12.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۶ ـ ۳۷ ، ح ۱۳۰ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۳۰ ، ح ۱۶۵۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۶۴ ، ح ۱۰۹۱۵ ، وكان بالأصل : « ... أجزأته يقطع وركع» ، فصوّبناه حسب المصدر .
13.في الأصل : «لا اعتداد» ، والمثبت من المصدر .
14.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۷ ـ ۳۸ ، ذيل الحديث ۱۳۲ .
15.في الأصل : «أقامت» ، والمثبت من المصدر .
16.تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۸ ، ح ۱۳۳ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۳۱ ـ ۴۳۲ ، ح ۱۶۶۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۶۸ ـ ۳۶۹ ، ح ۱۰۹۲۵ .
17.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۷۰ ، ح ۱۰۹۲۸ .
18.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۳۷۰ ، ح ۱۰۹۲۹ .