55
الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3

حكمته تعالى في جميع الأزمنة من أوّل الدنيا إلى آخرها.
واحتمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه بُعد الحمل - كالصدوق - أن يكون المقصود من الخلق تحقّقَ المعرفة، كما في قوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»۱ أي ليعرفون. قال:
فإنّ مناط المعرفة والمتأصّل فيها الذي يدور به رحاها إنّما هو الحجّة ، فهو المقصود بالإيجاد أوّلاً ، وأقرب إلى المبدأ الفاعلي، فيكون قبلهم، وإنّما يبقى المعرفة ببقائه فيكون معهم، وإذا مضوا قبل فناء الدنيا يكون بعدهم إبقاءً للمعرفة التي لا ثبات للدنيا إلّا بها.
ثمّ احتمل أن يكون المراد أنّ حجّية الحجّة قبل الخلق كما في الميثاق، ومع الخلق كحال التكليف ومقدّماته، وبعدهم وانقضاء مدّة حياتهم الدنيا استبقاءً لمعرفتهم بمعرفته واستمداداً منها.۲
أقول: الأولى على هذا ليكمل البيان والتناسب ، أنّ المعنى أنّ حجّته تعالى بالغةٌ على الخلق، قبل الخلق يوم الميثاق بعد الافتتان بتكليف الأرواح بدخول النيران، ومع الخلق ما داموا في الدنيا ، وبعد الخلق عند محاسبتهم في الآخرة.

1.الذاريات (۵۱): ۵۶.

2.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۵۴۵ .


الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
54

الحديث الرابع‏

۰.روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ۱، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :«الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ، وَ مَعَ الْخَلْقِ، وَبَعْدَ الْخَلْقِ».

هديّة:

حمله الصدوق رحمة اللَّه عليه في أوّل كتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة على آدم والقائم ومن بينهما من الحجج.۲ وفي الحديث - كما سيجي‏ء في الباب التالي للتّالي - «أنّ آخر من يموت الإمام»، وستعرف في بيان الحديث الرابع من الباب التالي عدمَ المنافاة بين موت الإمام أخيراً وبين ما في الحديث من بقاء الدنيا وطائفة من الناس بعد ذهاب القائم عليه السلام أربعين يوماً، كما في الحديث الأوّل من الباب السادس والسبعين.
فلهذه المنافاة ظاهراً وعدم مناسبة ذكره كذا في هذا الباب، قرأ برهان الفضلاء : «قَبَلُ الخلق» بفتحتين و«بَعَدُ الخلق» كذا.
و«القَبَل» : الموضع العالي في المقابل، و«البَعَد» : المنزل البعيد، فالأوّل من هو عالٍ ظاهراً للأنظار وإن لم يكن معهم بإجراء حكمه على الجميع، والثاني من هو ظاهر فيهم ومعهم بإجراء حكمه على الجميع، والثالث من هو بعيد غائب عنهم. وقال في وجه التناسب:
إنّ ذكره هنا إشارة إلى الجواب عن إيراد المخالفين : أنّه لو صحّ الاضطرار إلى الحجّة لوجب ظهورها. والجواب : أنّ تخلّف الواجب إنّما يلزم على تقدير إطاعة الرؤساء له في ظهوره فيغيب، ولذا يجب ظهوره للوقت في علمه تعالى بوقت وجود الخلّص من شيعته المطيعين الظاهرين بظهوره بإذن اللَّه تعالى.
أقول: يكفي لوجه المناسبة دلالة هذا الخبر على كون الحجّة مع الخلق ما دام الخلق، على أنّ بمفهومه دلالة على حاصل مفهوم العنوان؛ يعني وجوب وجود الحجّة في

1.في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».

2.كمال الدين ، ص ۴ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمّة الهدي 3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ الطباطبائي،السّيّد محمود
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 117301
صفحه از 592
پرینت  ارسال به