25
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

على ما ينافي صدر الحديث من [أنّ‏] الرجاء ينبغي أن يكون غالباً على الخوف، قلت: لا لوجوه:
الأوّل: أنّ فيه ترغيباً في رجاء المغفرة، وزجراً عن القنوط عند فعل المعصية، فالخير هو الرجاء، والشرّ هو القنوط، والقنوط كفر، وإليه أشار القابسي في حلّ حديث مسلم.
الثاني: أنّه تعالى عند ظنّ عبده في حسن عمله وسوء عمله؛ لأنّ من حسن عمله حسن ظنّه، ومن ساء عمله ساء ظنّه، وإليه أشار الخطابي في حلّه.
الثالث: أنّ ظنّ الخير - المترتّب عليه جزاء الخير۱ أن يرجو العبد رحمة اللَّه من فضله، ولا يتّكل على عمله، ولا يخاف إلّا من ذنبه، لا من ذاته تعالى؛ لأنّه ليس بظلّام للعبيد. وظنّ الشرّ - المترتّب عليه جزاء الشرّ - أن يرجو من عمله، ويخاف منه تعالى، لا من ذنبه. واستفدت هذا من كلام مولانا الصادق عليه السلام قال: «حسن الظنّ باللَّه أن لا ترجو إلّا اللَّه، ولا تخاف إلّا من ذنبك».۲
الرابع: أنّ ظنّ الخير مركّب من الرجاء والخوف المتساويين، وظنّ الشرّ [ما] ليس كذلك، وهو على أربعة أقسام. وهذا استفدته من قول إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه، وأنّ أحسن الناس ظنّاً باللَّه أشدّهم خوفاً للَّه».۳
وقوله عليه السلام «على قدر خوفه من ربّه»۴ معناه على قدر خوفه من عذاب ربّه لأجل ذنبه. وقيل: ظنّ الخير أن يظنّ المغفرة إذا استغفر، وظنّ قبول التوبة إذا تاب، و[ظنّ ]قبول العمل الصالح إذا عمله؛ وظنّ الشرّ أن يأتي بهذه الأشياء ويظنّ أنّها لا تقبل ولا تنفعه، وذلك قنوط.۵

متن الحديث الثاني والستّين والأربعمائة

1.في المصدر: - «المترتّب عليه جزاء الخير».

2.الكافي، ج ۲، ص ۷۲، ح ۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۵، ص ۲۳۰، ح ۲۰۳۵۱.

3.نهج البلاغة، ج ۳، ص ۲۹.

4.في المصدر: - «وإنّ أحسن الناس» إلى هنا.

5.القائل هو المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۲۴.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
24

قيل: دلَّ على أنّه ينبغي المساواة بين الخوف والرجاء، والنظر في الأوّل إلى جواز التقصير في الأعمال القلبيّة والبدنيّة مع ملاحظة عظمة الربّ وقهره على جميع الممكنات وغنائه‏۱ عنها. وفي الثاني إلى العجز والمسكنة مع ملاحظة بسط نعمه وسعة كرمه ورحمته، وغنائه عن تعذيب العباد وعبادتهم، وإنعامه عليهم في هذه الدار بلا سبق استحقاق، فلا يبعد أجراً أعظم منها في دار القرار، فمن نظر إلى هذا تارةً وإلى ذاك اُخرى حصلت له مَلَكَة الخوف وملكة الرجاء، وهو متحيّر بين الحالتين ومتردّد بين المنزلتين، ومن علاماته الزهد في الدُّنيا، وترك ما لا ينبغي، والرغبة في الآخرة، وطلب ما ينبغي، كما روي: «من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شي‏ء هرب منه‏۲ ».۳(ثمّ قال: إنّ اللَّه تبارك وتعالى).
في أكثر النسخ: «عزّ وجلّ».
(عند ظنّ عبده، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً).
قال الفاضل الإسترآبادي:
إن قلت: هذا مناف لما تقدّم من تساوي الخوف والرجاء؟
قلت: غير مناف؛ لأنّ المراد أنّه ينبغي أن يكون اجتناب المؤمن عن المحرّمات اجتناب من أشرف على النار، وأن يكون اشتغاله بالعبادات اشتغال من علم أنّه من أهل الجنّة. وبالجملة: ما تقدّم ناظر إلى العمل، وما تأخّر ناظر إلى الاعتقاد والاعتماد على أنّ كرمه تعالى ورحمته أزيد من تقصرات العبد۴ بمراتب لا تحصى، وعلى أنّ رحمته سبقت غضبه، انتهى.۵
وقال بعض الشارحين:
نظير هذا الخبر من طرق الخاصّة كثير، وفي كتب العامّة موجود؛ روى مسلم عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قال: يقول اللَّه عزّ وجلّ: «أنا عند ظنّ عبدي بي».۶ قال: قلت: هل فيه دلالة

1.في المصدر: «بغنائه».

2.الكافي، ج ۲، ص ۶۸؛ ح ۵؛ تحف العقول، ص ۲۱۲.

3.القائل هو المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۲۳.

4.في المصدر: «العباد».

5.نقل عنه العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۳۸۳.

6.صحيح مسلم، ج ۸، ص ۶۲ و ص ۶۶.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 68595
صفحه از 568
پرینت  ارسال به