381
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

فَلَا يُلْهِيَنَّكُمُ الْأَمَلُ ، وَلَايَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَجَلُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَدُ أَمَلِهِمْ ، وَتَغْطِيَةُ الْآجَالِ عَنْهُمْ، حَتّى‏ نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَالنَّقِمَةُ .
وَقَدْ أَبْلَغَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْكُمْ بِالْوَعْدِ ، وَفَصَّلَ لَكُمُ الْقَوْلَ ، وَعَلَّمَكُمُ السُّنَّةَ ، وَشَرَّعَ‏۱ لَكُمُ الْمَنَاهِجَ‏۲ لِيُزِيحَ الْعِلَّةَ ، وَحَثَّ عَلَى الذِّكْرِ ، وَدَلَّ عَلَى النَّجَاةِ ، وَإِنَّهُ مَنِ انْتَصَحَ لِلَّهِ وَاتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلًا ، هَدَاهُ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَوَفَّقَهُ لِلرَّشَادِ ، وَسَدَّدَهُ وَيَسَّرَهُ لِلْحُسْنى‏ ، فَإِنَّ جَارَ اللَّهِ آمِنٌ مَحْفُوظٌ ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ مَغْرُورٌ .
فَاحْتَرِسُوا مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ ، وَاخْشَوْا مِنْهُ بِالتُّقى‏ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ ، فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».۳
فَاسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ، وَعَظِّمُوا اللَّهَ الَّذِي لَايَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَةُ اللَّهِ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ ، وَعِزَّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا جَلَالُ اللَّهِ أَنْ يَذِلُّوا لَهُ ، وَسَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ ، فَلَا يُنْكِرُونَ أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ حَدِّ الْمَعْرِفَةِ ، وَلَا يَضِلُّونَ بَعْدَ الْهُدى‏ ، فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ ، وَالْبَارِىَ مِنْ ذِي السُّقْمِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ‏تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتّى‏ تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ ، وَلَنْ‏تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتّى‏ تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ ، وَلَنْ‏تَمَسَّكُوا بِهِ حَتّى‏ تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ ، وَلَنْ تَتْلُوا الْكِتَابَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ حَتّى‏ تَعْرِفُوا الَّذِي حَرَّفَهُ ، وَلَنْ‏تَعْرِفُوا الضَّلَالَةَ حَتّى‏ تَعْرِفُوا الْهُدى‏ ، وَلَنْ‏تَعْرِفُوا التَّقْوى‏ حَتّى‏ تَعْرِفُوا الَّذِي تَعَدّى‏ ؛ فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذلِكَ ، عَرَفْتُمُ الْبِدَعَ وَالتَّكَلُّفَ ، وَرَأَيْتُمُ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَعَلى‏ رَسُولِهِ ، وَالتَّحْرِيفَ لِكِتَابِهِ ، وَرَأَيْتُمْ كَيْفَ هَدَى اللَّهُ مَنْ هَدى‏ ، فَلَايُجْهِلَنَّكُمُ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ ، إِنَّ عِلْمَ الْقُرْآنِ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ ، فَعُلِّمَ بِالْعِلْمِ جَهْلَهُ ، وَبُصِّرَ بِهِ عَمَاهُ ، وَسُمِّعَ بِهِ صَمَمَهُ ، وَأَدْرَكَ بِهِ عِلْمَ مَا فَاتَ ، وَحَيِيَ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ .
وَأَثْبَتَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ ذِكْرُهُ - الْحَسَنَاتِ ، وَمَحَا بِهِ السَّيِّئَاتِ ، وَأَدْرَكَ بِهِ رِضْوَاناً مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى‏ .

1.هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «وشرح».

2.في بعض نسخ الكافي: «المنهاج».

3.البقرة (۲): ۱۸۶.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
380

لِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَاتُوَافِقُ الْهُدى‏ وَإِنِ اجْتَمَعَا ، وَقَدِ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ ، وَافْتَرَقُوا عَلَى‏۱ الْجَمَاعَةِ ، قَدْ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ وَأَمْرَ دِينِهِمْ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَكْرِ وَالْمُنْكَرِ وَالرِّشَا وَالْقَتْلِ ، كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ، وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ ، لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحَقِّ إِلَّا اسْمُهُ ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنَ الْكِتَابِ إِلَّا خَطَّهُ وَزَبْرَهُ ، يَدْخُلُ الدَّاخِلُ لِمَا يَسْمَعُ مِنْ حِكَمِ الْقُرْآنِ ، فَلَا يَطْمَئِنُّ جَالِساً حَتّى‏ يَخْرُجَ مِنَ الدِّينِ ، يَنْتَقِلُ مِنْ دِينِ مَلِكٍ إِلى‏ دِينِ مَلِكٍ ، وَمِنْ وَلَايَةِ مَلِكٍ إِلى‏ وَلَايَةِ مَلِكٍ ، وَمِنْ طَاعَةِ مَلِكٍ إِلى‏ طَاعَةِ مَلِكٍ ، وَمِنْ عُهُودِ مَلِكٍ إِلى‏ عُهُودِ مَلِكٍ ، فَاسْتَدْرَجَهُمُ اللَّهُ تَعَالى‏ مِنْ حَيْثُ لَايَعْلَمُونَ ، وَإِنَّ كَيْدَهُ مَتِينٌ بِالْأَمَلِ وَالرَّجَاءِ حَتّى‏ تَوَالَدُوا فِي الْمَعْصِيَةِ ، وَدَانُوا بِالْجَوْرِ ، وَالْكِتَابُ لَمْ يَضْرِبْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ صَفْحاً ضُلَّالًا تَائِهِينَ ، قَدْ دَانُوا بِغَيْرِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَأَدَانُوا لِغَيْرِ اللَّهِ .
مَسَاجِدُهُمْ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ عَامِرَةٌ مِنَ الضَّلَالَةِ ، خَرِبَةٌ مِنَ الْهُدى‏۲ ، فَقُرَّاؤُهَا وَعُمَّارُهَا أَخَائِبُ خَلْقِ اللَّهِ وَخَلِيقَتِهِ ، مِنْ عِنْدِهِمْ جَرَتِ الضَّلَالَةُ ، وَإِلَيْهِمْ تَعُودُ ، فَحُضُورُ مَسَاجِدِهِمْ وَالْمَشْيُ إِلَيْهَا كُفْرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ إِلَّا مَنْ مَشى‏ إِلَيْهَا وَهُوَ عَارِفٌ بِضَلَالَتِهِمْ‏۳ ، فَصَارَتْ مَسَاجِدُهُمْ مِنْ فِعَالِهِمْ عَلى‏ ذلِكَ النَّحْوِ خَرِبَةً مِنَ الْهُدى‏ ، عَامِرَةً مِنَ الضَّلَالَةِ .
قَدْ بُدِّلَتْ سُنَّةُ اللَّهِ ، وَتُعُدِّيَتْ حُدُودُهُ ، وَلَا يَدْعُونَ‏۴ إِلَى الْهُدى‏ ، وَلَا يَقْسِمُونَ الْفَيْ‏ءَ ، وَلَا يُوفُونَ بِذِمَّةٍ ، يَدْعُونَ الْقَتِيلَ مِنْهُمْ عَلى‏ ذلِكَ شَهِيداً ، قَدْ أَتَوُا۵ اللَّهَ بِالِافْتِرَاءِ وَالْجُحُودِ ، وَاسْتَغْنَوْا بِالْجَهْلِ عَنِ الْعِلْمِ ، وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ ، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللَّهِ فِرْيَةً ، وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ الْعُقُوبَةَ السَّيِّئَةَ .
وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ صلى اللَّه عليه وآله ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَاباً عَزِيزاً «لَا يَأْتِيهِ الْبَطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»۶ ، قُرْآناً عَرَبِيّاً۷ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ؛ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ .

1.هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «عن».

2.في الطبعة القديمة: + «قد بدّل فيها من الهدى».

3.هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي كلتا الطبعتين: «بضلالهم».

4.في بعض نسخ الكافي والوافي: «لا يدعون» بدون الواو.

5.في بعض نسخ الكافي والوافي: «فدانوا» بدل «قد أتوا».

6.فصّلت (۴۱): ۴۲.

7.في أكثر نسخ الكافي وشرح المازندراني: - «عربيّاً».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 69585
صفحه از 568
پرینت  ارسال به