يعرف قدر نفسه بأن يحفظ شأنه وقدره اللائق به ، مثلاً إن كان من بيت الشرف والنجابة منخرطا في سلك العلماء ، تحرّز عن زيّ الشرطي والسوقي وفِعالهما ، ولكن كان ذلك منه متلبّسا بقلبٍ سليم ونفسٍ خاضعة ، لا على وجه الترفّع والنخوة ، وكون هذه المعرفة من التواضع باعتبار أنّ هذا القدر والمنزلة نعمة من اللّه تعالى عرضت لنفسه ، فحفظ ذلك تعظيم للّه ولنعمته وتواضع لهما .
وفي الحديث : «ليس للرجل السريّ أن يحمل الشيء الدنيّ فيجترأ عليه» . ۱
وفي الصحيفة الكاملة في دعاء مكارم الأخلاق : «وأعزّني ولا تَبْتَلِيَنّي بالكِبر ، ولا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها ، ولا تُحْدِثْ لي عزّا ظاهرا إلّا أحدثتَ لي ذلّةً باطنة [عند نفسي] بقدرها» . ۲
ويُحتمل أن يكون المراد أن يعرف أنّ نفسه خُلقت من صلصالٍ من حمأٍ مسنون، وخرجت من ممرّ البول مرّتين ، فينزلها في مظانّ التكبّر منزلتها . والتواضع في هذا الاحتمال أظهر .
نُقل أنّ السلطان محمود اشترى عبدا اسمه «أياز» ثمّ ربّاه حتّى رقى به إلى ذروة سنام العزّ والجاه ، فحسده اُمراء السلطان ، فسعوا به عنده وقالوا : إنّ له بيتا مقفّلاً يختزن فيه نفائس ما يخول في أموال السلطان ، ولا يأتمن عليها أحدا ، وإذا دخل البيت دخل وحده فأغلق الباب ، وإذا خرج قفله من ساعته ، فأمر السلطان أن يكسروا الباب بغتةً ويأتوه بما في البيت ، فلمّا دخلوا لم يجدوا غير قلنسوة ، وقميصٍ خلقة ، وحذاءٍ عليه رقاع كثيرة ، فسأل السلطان إيازا عن حقيقة الحال ، فقال : إنّ هذه الثياب هي التي كانت عليَّ عندما اشتراني السلطان حفظتها ، فكلَّما أجدُ في نفسي ترفّعا بسبب تشريفات السلطان أدخل البيت وألبسها ، وأعظ نفسي بأنّك صاحب هذه الثياب ، وكلُّ ما سواها فمن عطايا السلطان ، فلا تنسَ نصيبك من الدنيا ، فيخضع ويتواضع نفسي ، ويفيق من