553
مكاتيب الأئمّة جلد1

[ أقول : لمَّا آل أمر التحكيم إلى ما آل إليه، جمع معاوية من كان معه من قريش ، وفيهم عَمْرو بن العاص وحَبِيب بن مَسْلَمَة ، وشاورهم في أمر مصر ، وتكلَّم من تكلَّم ، وأجمع رأيهم على مكاتبة شيعة عثمان بمصر فكاتبوهم ، ثُمَّ عزموا على إرسال عَمْرو بن العاص إليها في ستة آلاف رجل ] ، فخرج عَمْرو حَتَّى دنا مصر ، ولاقى مُحَمَّد بن أبي بَكر عامل عليّ على مصر ، فنزل أداني مصر فاجتمعت إليه العثمانيّة ، فأقام بها ، وكتب إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر :
أمَّا بعدُ ؛ فتنحّ عنّي بدمك يابن أبي بَكر ، فإنِّي لا أحبّ أن يصيبك منِّي ظفر ، وإنَّ النَّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ، ورفض أمرك ؛ وندموا على اتِّباعك ، وهم مُسْلِمُوك لو قد التقت حلقتا البطان ۱ ، فاخرج منها إنِّي لك من
النَّاصحين ، والسَّلام .
قال : وبعث عَمْرو أيضا مع هذا الكتاب بكتاب معاوية إليه ، وفيه :
أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ غبّ البغي والظُّلم عظيم الوبال ، وإنَّ سفك الدَّم الحرام لا يسلم صاحبه من النَّقمة في الدُّنيا ، والتَّبعة الموبقة في الآخرة ، وما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا ، ولا أسوأ له عيبا ، ولا أشدّ عليه خلافا منك ، سعيت عليه في السَّاعين ، وساعدت عليه مع المساعدين ، وسفكت دمه مع السَّافكين ، ثُمَّ أنت تظنّ أنّي عنك نائمٌ ، ثُمَّ تأتي بلدةً فتأمن فيها وجلُّ أهلها أنصاري ؛ يرون رأيي ، ويرفعون قولي ، ويستصرخونني عليك ، وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك ، يستسفكون دمك ، ويتقرّبون إلى اللّه بجهادك ، قد أعطوا اللّه عهدا ليقتلنَّك ، ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا ، لقتلك اللّه بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه ، فأُحذرك وأُنذرك ، وأحبّ أن يقتلوك بظلمك ووقيعتك وعدوانك على عثمان يوم الدَّار ، تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه وأوداجه ، ولكنّي أكره أن تقتل ، ولن يُسَلِّمَكَ اللّه ُ من القصاص أين كنت والسَّلام .
قال : فطوى مُحَمَّد بن أبي بَكر كتابيهما ، وبعث بهما إلى عليّ عليه السلام ، وكتب إليه :
أمَّا بعدُ ؛ فإنَّ العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر ، واجتمع إليه من أهل البلد كلُّ من كان يرى رأيهم ، وقد جاء في جيش جرّار ، وقد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل ، فإن كان لك في أرض مصر حاجةٌ فأمددني بالأموال والرِّجال ، والسَّلام .
[ فكتب إليه عليّ عليه السلام . . . ما تقدَّم .
وكتب مُحَمَّد إلى معاوية وعَمْرو جواب كتابهما ، وأقبل عَمْرو بن العاص إلى مصر واستنفر عليّ عليه السلام أهل الكوفة ، فرأى فيهم التَّواني والتَّواكل والفشل ، فوعظهم فلم ينفعهم الوعظ والإنذار ، فقرب عَمْرو من مصر ، فقام مُحَمَّد في أهل مصر
خطيبا وقال ، في آخرها : ] انتدبوا إلى هؤلاء رحمكم اللّه مع كِنانَة بن بشر ، ومن يجيب معه من كِنْدَة ، فانتدب معه نحو ألفي رجل ، وخرج مُحَمَّد في نحو ألفين ، واستقبل عَمْرو كِنانَة وهو على مُقدّمَةِ محمّد ، فأقبل عَمْرو نحو كِنانَة ، فلمَّا دنا منه سرّح نحوه الكتائب كتيبةً بعد كتيبة ، فجعل كِنانَة لا يأتيه كتيبةٌ من كتائب أهل الشَّام إلاَّ شدّ عليها بمن معه فيضربها حَتَّى يلحقها بعمرو ، ففعل ذلك مرارا ، فلمَّا رأى عَمْرو ذلك ، بعث إلى معاوية بن حُدَيْج الكِنْديّ فأتاه في مثل الدَّهم ۲ ، فلمَّا رأى كِنانَة ذلك الجيش نزل عن فرسه ونزل معه أصحابه ، فضاربهم بسيفه وهو يقول : وما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلاَّ بِإِذْنِ اللّه كِتابا مُوجَّلاً ، ومَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُوتِهِ مِنْها ، ومَنْ يُرِدْ ثَوابَ الآخِرَةِ نُوتِهِ مِنْها ، وسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ . ثُمَّ ضاربهم بسيفه حَتَّى استشهد رحمه الله . ۳

1.في الصحاح : البطان ، للقتب الحزام الَّذي يجعل تحت بطن البعير .

2.في النهاية : الدهم : العدد الكثير .

3.الغارات : ج۱ ص۲۷۶ ـ ۲۸۲ ، وراجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۷۸ ـ ۹۲ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۰ ـ ۱۰۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۱ ـ ۴۱۴ ، أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۹ ـ ۱۷۳ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۳۱۵ ـ ۳۱۷ .


مكاتيب الأئمّة جلد1
552

141

كتابه عليه السلام إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر

۰.« أمَّا بعدُ ؛ فَقدْ جاءَنِي رسُولُكَ بِكتابِكَ تَذْكُرُ أنَّ ابنَ العاصِ قَد نَزلَ أَدانِيَ مِصرَ في جَيْشٍ جرّارٍ ، وأنَّ مَنْ كانَ علَى مِثْلِ رأْيهِ قَدْ خَرَجَ إليْهِ ، وخُروجُ مَنْ كَانَ يَرى رَأيَهُ خيرٌ لَكَ مِن إقامَتِهِ عِنْدَكَ ، وَذكَرْتَ أنَّكَ قَد رَأيْتَ مِمَّن قِبَلَكَ فَشَلاً ؛ فَلا تَفْشَلْ
وإنْ فَشَلُوا ، حَصِّن قَريَتَكَ ، واضمُمْ إلَيْكَ شِيعَتَكَ وأَذْكِ ۱ الحَرَسَ في عَسْكَرِكَ ، واندُبْ إلى القَوْمِ كِنانَةَ بنَ بِشْرٍ ، المَعرُوفَ بالنَّصِيحَةِ والتَّجرِبَةِ والبَأْسِ ؛ وأنا نادِبٌ إليْكَ النَّاسَ علَى الصَّعْبِ والذَّلولِ ، فاصبِرْ لِعَدُوِّكَ وامْضِ علَى بَصِيرَتِكَ ، وقاتِلْهُم علَى نِيَّتِكَ ، وجاهِدْهُمْ مُحتَسِبا للّه ِ ، وإنْ كانَت فِئتُكَ أقَلَّ الفِئتَينِ ؛ فَإنَّ اللّه َ يُعِزُّ القَلِيلَ ويَخْذِلُ الكَثِيرَ ، وقَدْ قَرَأْتُ كِتابَيْ الفاجِرَيْنِ المُتَحابَّيْنِ علَى المَعصِيَةِ ، والمُتلائِمَيْنِ علَى الضَّلالَةِ ، والمُرتَشِيَيْنِ اللَّذين استمتعا بخلاقهما ، فلا يَهُدَنَّك إرعادُهما وإبراقُهُما ، وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله ، فَإنَّكَ تجدُ مَقالاً ما شِئْتَ ، والسَّلامُ . » ۲

1.هو من قولهم : « أذكى عليه العيون ، أي أرسل عليه الطلائع » .

2.الغارات : ج۱ ص۲۷۸ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۵۸ ح۷۲۲ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۶ ص۸۴ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۰۲ وراجع : أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۹ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۲ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۳۱۵ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة جلد1
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 183421
صفحه از 568
پرینت  ارسال به