ومن أجل تسليط الضوء على هذه المسألة ، فقد درسنا هذا الموضوع في ثلاثة أقسام ، هي : «نظريّة الجبر» ، «نظريّة التفويض» ، و «نظريّة الأمر بين الأمرين» .
أولاً : نظريّة الجبر
إنّ الجبر يقف في مقابل الاختيار والحرّية ، فالإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك القدرة والاختيار والحريّة ؛ فالإنسان القادر المختار هو الّذي يتمتّع بقوّة إرادة واختيار في أداء عملٍ معيّنٍ وإنجازه ، كذلك القدرة على تركه . يذكر العلّامة الحلّي في تعريف القدرة :
القدرة صفة تقتضي صحّة الفعل من الفاعل لا إيجابه ؛ فإنّ القادر هو الّذي يصحّ منه الفعل والترك معا . ۱
على هذا فإنّ الإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك مثل هذه القدرة والاختيار . على سبيل المثال : فإذا ما اُوثق إنسان وصُبَّ الخَمرُ في فمه قسراً فإنّ هذا الشخص قد شرب الخمر ، ولكنّه ليس مختارا من الناحية العمليّة في القيام بهذا العمل ؛ ذلك لأنّه لم يكن قادراً على ترك هذا الفعل .
إنّ أنصار نظريّة الجبر يرونَ أنّ الإنسان لا يمتلك الاختيار في أيّ عَملٍ ، وليس حرّا في ذلك ، بمعنى أنّه لا يمكننا أن نجد عملاً يكون فعله وتركه ممكنين للإنسان .
أنصار «الجبر» في العلوم المختلفة
لنظريّة الجبر أنصار في العلوم المختلفة ، ففي كلّ علم يلاحظ فيها منشأ خاصّ . ففي علم الاجتماع يُطرح الجبر الاجتماعي الناجم عن العلاقات الاجتماعيّة المتحكّمة بالإنسان . ويُطرح في علم النفس الجبر النفسيّ الناجم عن الوضع الجسميّ والروحيّ للفرد . وفي الفلسفة ترى طائفة أنّ الجبر العلّي المعلولي (السببي