بسياسة الحكم وتثبيت أقدامهم وإدارة شؤون البلاد أكثر من أيّ أمر آخر، ممّا يقتضي ذلك مراعاة العلماء والإحسان إليهم بصفتهم الصفوة في تلك البلاد، فإذا لانت قيادتهم، سهلت قيادة قواعدهم بالضرورة.
ونتيجةً لهذا الاستقرار الفكري في الري، سادت آراء المذاهب السنية في تلك البلاد، مع آراء المذهب الشيعي الإمامي، كما كان للمعتزلة، وبعض الفرق التي اندرست فيما بعد ـ كالبرغوثية، والزعفرانية، والمستدركة ـ وجود ما في تلك البلاد ۱ .
وأما عن بغداد في عصر الكليني من الناحية السياسية، فقد امتازت بتدهور أوضاعها بأضعاف ما كان عليه حال الريّ، إذ تغلّب العنصر التركيّ على السلطة، وأطلقت أيدي الأتراك في سياسة الدولة، والتلاعب بمقدّرات الاُمّة، حتى أصبح (الخليفة) أسيراً بيد حرسه، إن أرادوه أبقوه، وإن ضجروا منه خلعوه، فإن أبى سملوا عينيه أو قتلوه!
فقد خلعوا المعتزّ بالله العباسي (251-255هـ ) بتدبير من صالح بن وصيف التركيّ، وقتلوا المهتدي بالله (255-256هـ )، وخلعوا المقتدر بالله (295-320هـ ) في سنة (296هـ )، ونصبوا مكانه ابن المعتز، ثم خلعوا ابن المعتز وأعادوا المقتدر إلى السلطة، ثم خلعوه مرةً اُخرى سنة (317هـ )، وبايعوا المعتضد بالله، ثمّ عزلوا المعتضد وأرجعوا المقتدر وأخيراً قتله مؤنس الخادم بدرب الشماسيّة ببغداد سنة (320هـ )، وبعدها جلبوا المعتضد إلى السلطة سنة (320هـ )، ولكنّهم سرعان ما خلعوه مع سملهم عينيه سنة (323هـ )، كما خلعوا المتّقي بالله (329-333هـ ) وسملوا عينيه أيضاً ۲ !!
1.راجع الفَرق بين الفِرق للبغدادي : ۲۲ و۲۰۹ و۳۱۰، والملل والنحل للشهرستاني ۱ : ۸۸ .
2.التنبيه والاشراف للمسعودي : ۳۲۸، والكامل لابن الأثير ۵ : ۸۳، وتجارب الأُمم لمسكويه ۱ : ۴۴.