الزهري ، أحاديثه و سيرته - الصفحه 98

وتفرّدُ الزهري بهذا واضح ، وقد روى تلميذه أيّوب السختياني نحوه مختصراً من غير طريق الزهري ، ولكنّه متّهم فيه بقصد رفع التهمة عن الزهري ، كما أنّ أيّوب متّهم برواية «ما تركناه فهو صدقة» تفرّد بهذا اللفظ لتعصّبه لمذهبه ليدفع الاحتمال ، وأيّوب متشدّد في مذهبه .

نكارة هذه الرواية

هي نكارة مكشوفة عند من أنصف ، وقد اعترف بعض المخالفين بها ، ففي شرح النووي على مسلم ۱ : وقال القاضي عيّاض : قال المازري : هذا اللفظ الذي وقع ـ يعني السبّ المنسوب إلى العبّاس ـ لا يليق ظاهره بالعبّاس ، وحاش لعلي أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف .
إلى أن قال : وإذا انسدّت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها .
قلت : التأويل تعسّف ومكابرة للعقول ، وتكذيب الراوي أقرب من اللجوء إلى التعسّفات التي يكذّبها الضمير ، ولو نطق بها اللسان ، لأنّ الراوي غير معصوم عن الكذب ، ولا قام دليل على وجوب إجرائه مجرى المعصوم .
فلماذا نكذّب أفهامنا ؟ ونقيّد أفكارنا ؟ ونلجم أفواهنا عن جرح الراوي بدون مُلجى ء ؟ وهو يروي ما يشهد الذوق السليم والفكر المحرّر : أنّه منكر؟!
وإليك التفصيل لبيان النكارة في هذه الرواية :
أمّا أوّلاً : فإنّ مالك بن أوس في هذه الرواية أمره عمر بأخذ المال وقسمته بين قومه ، وأفاده أنّهم قد دفوا إليه ، ليشعره بشدّة حاجتهم ، ومقتضى ذلك أن يبادر

1.صحيح مسلم بشرح النووي ج۱۲ ص۷۲ .

الصفحه من 229