عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني، يكنى أبا حماد، روى عنه أبو عشّانة، انّه قال: قدم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا في غنم لي أرعاها فتركتها ثمّذهبت إليه، فقلت: تبايعني يا رسول اللّه، قال: فمن أنت، فأخبرته، فقال: أيّما أحبّ إليك، تبايعني بيعة أعرابية، أو بيعة هجرة؟

قلت: بيعة هجرة، فبايعني.

وكان من أصحاب معاوية بن أبي سفيان، وولي مصر وسكنها، وتوفي بها سنة ۵۸ هـ، وروى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبو أيّوب، وأبو امامة وغيرهم.

ومن التابعين: أبو الخير، وعلي بن رباح، وأبو قبيل، وسعيد بن المسيب وغيرهم، وشهد صفين مع معاوية، وشهد فتوح الشام، وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن.

قال الذهبي: له في مسند بَقيّ خمسة وخمسون حديثاً(۱)ولكن جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ۱۱۲ حديثاً(۲)

نذكر من روائع رواياته التي يدل سمو معانيها على صحّة مضمونها شيئاً ثم نعرج إلى أحاديثه السقيمة.

روائع أحاديثه

۱. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي عُشّانة، انّه سمع عقبة بن عامر، يقول: لا أقول اليوم على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مالم يقل. سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

من كذب قال ما لم أقل فليتبوّأ بيتاً من جهنَّم.(۳)

۲. أخرج مسلم في صحيحه، عن مرثد بن عبد اللّه اليزنيّ، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ أحقّ الشّرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.(۴)

۳. أخرج أحمد في مسنده، عن الحسن، عن عقبة بن عامر انّ نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: إذا أنكح وليان فهو للاَوّل منهما، وإذا باع من رجلين فهو للاَوّل منهما.(۵)

۴. أخرج أحمد في مسنده، عن قيس الجذاميّ، عن عقبة بن عامر الجهنيّ، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: من أعتق رقبة مسلمة فهي فداوَه من النّار.(۶)

۵. أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الرحمان بن شماسة انّه سمع عقبة بن عامر على المنبر، يقول: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: الموَمن أخو الموَمن، فلا يحلّ للموَمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتّى يذر.(۷)

۶.أخرج ابن ماجة، عن عبد الرحمان بن شماسة، عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: المسلم أخو المسلم، ولا يحلّ لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب، إلاّبيّنه له.(۸)

۷. أخرج ابن ماجة، عن أبي سعيد الرعينيّ أنّ عبد اللّه بن مالك اليحصبي أنّ عقبة بن عامر أخبره: انّ أُخته نذرت أن تمشي حافية، غير مختمرة، وأنّه ذكر ذلك لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: مُرها فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيّام.(۹)

۸. أخرج النسائي، عن ابن مجيرة، عن عقبة بن عامر: انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» ، قال: خمس من قبض في شيء منهنّ فهو شهيد: المقتول في سبيل اللّه شهيد، والغرق في سبيل اللّه شهيد، و المبطون في سبيل اللّه شهيد، و المطعون في سبيل اللّه شهيد، والنفساء في سبيل اللّه شهيد.(۱۰)

۹.أخرج أحمد في مسنده، عن فروة بن مجاهد اللخني، عن عقبة بن عامر، قال: لقيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: لي: يا عقبة بن عامر، صل من قطعك، واعط من حَرَمك، واعفو عمن ظلمك.(۱۱)

۱۰. أخرج مسلم في صحيحه عن مرثد، عن عقبة بن عامر، قامعلى قتلى أُحد، ثمّ صعد المنبر كالمودّع للاَحياء والاَموات، فقال: إنّي فرطكم على الحوض وانّ عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم، قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر.(۱۲)

هذا شيء من روائع رواياته، وإليك نزراً من رواياته السقيمة التي تعزى إليه ولا تمتلك الضوابط التي أومأنا إليها في صدر الكتاب، وإليك بيانها.

أحاديثه السقيمة

۱. النبي يلعن المحلِّل والمحلّل له

أخرج ابن ماجة في سننه عن أبي مصعب مشرح بن هاعان، قال: قال عقبة بن عامر: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: هو المحلِّل، لعن اللّه المحلِّل والمحلَّل له.(۱۳)

وروى عكرمة، عن ابن عباس: قال: لعن رسول اللّه المحلل والمحلل له.

أقول: ورد النصّ في القرآن الكريم على أنّ من طلّق زوجته ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، قال سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْـرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ) (البقرة/۲۳۰).

وعلى ضوء ذلك فمن تزوج مطلقة ثلاثاً لم يرتكب أمراً محرّماً ولا مكروهاً، غاية الاَمر لو طلّقها يجوز للزوج المطلِّق نكاحها من بعد طلاق المحلِّل وإلاّ فتبقى الزوجة في حبالته.

وإذاً فما هو المبرّر للعن المحلّل؟! وأوضح منه لعن المحلَّل له، فانّاللعن رهن ارتكاب أمر محرم أو مبغوض من قبل الشارع.

نعم لو شرطت الزوجة طلاقها في العقد الثاني بعد المسّ فالنكاح باطل إذا قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد، أو الشرط باطل والنكاح صحيح، فلا يحلّللزوج الثاني إلاّ إذا ذاق الزوج الثاني عُسيلتها، وذاقت الزوجة عُسيلته فلو طلق عن رضا واختيار فتحل للزوج الاَوّل فما هو وجه اللّعن؟

وتعليل اللعن بارتكاب فعل مكروه ممنوع موضوعاً وحكماً .

۲. النبي يلبس الحرير

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، انّه قال: أهدي لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فرّوج(۱۴)حرير فلبسه، ثمّصلى فيه، ثمّ انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثمّ قال: لا ينبغي هذا للمتقين.(۱۵)

إنّ لبسهص الفرّوج، إمّا كان قبل تحريم الحرير على الرجال أو بعده، فالثاني لا يصحّ أن ينسب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَنّه ينافي عصمتهص.

وأمّا الاَوّل فلبسه وصلاته كانت جائزة وعندئذ فما هو وجه التعبير عن ذلك العمل الحلال بقوله: «ثمّ انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثمّ قال: لا ينبغي هذا للمتقين»؟! فانّه لا يناسب مكانة العمل الحلال، ويحتمل أن يكون ذيل الحديث من تصورات الراوي.

ويوَيده ما رواه مسلم، عن جابر بن عبد اللّه، انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبس يوماً قباءً من ديباج أُهدي له ثمّ أوشك أنْ نزعه، فأرسل به إلى عمر بن الخطاب، فقيل له: قد أوشك ما نزعته يا رسول اللّه؟ فقال: نهاني عنه جبرئيل، فجاءه عمر يبكي، فقال: يا رسول اللّه كرهت أمراً واعطيتنيه فمالي؟ قال: إنّي لم أعطكه لتلبسه انّما أعطيتكه تبيعه، فباعه بألفي درهم.(۱۶)

والظاهر وحدة الواقعة ولكن ليس في الحديث الثاني ما في الحديث الاَوّل من أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نزعه نزعاً شديداً كالكاره له.

۳. كلّ ميت يختم على عمله إلاّالمرابط

أخرج الدارمي عن مشرح، قال: سمعت عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: كلّ ميت يختم على عمله إلاّالمرابط في سبيل اللّه فانّه يجزى له عمله حتى يبعث.(۱۷)

الحديث ظاهر في الحصر، و لكنّه يخالف ما نقل عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّمن ثلاث.

أخرج ابن ماجة، عن عبد اللّه بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خير ما يخلِّف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعملُ به من بعده.(۱۸)

والحديث يدل على أنّ غير المرابط أيضاً لا يختم على عمله.

نعم لو حاولنا الجمع بين الروايتين فلا محيص من حمل الحصر الاَوّل على الحصر الاِضافي لا الحقيقي، وإن كان الحمل على خلاف الظاهر.

۴. أسلم الناس و آمن عمرو بن العاص

أخرج الترمذي، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص.(۱۹)

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من حديث أبي لهيعة عن مشرح بن هاعان وليس اسناده بقوي.

أقول: تشير الرواية إلى أنّ عمرو بن العاص آمن بلسانه وقلبه و الآخرون أسلموا بلسانهم لا بقلبهم، وهذا ممّا يخالف الواقع، إذ قد آمن قبله أُناس من المهاجرين الذين اتّفق المسلمون على إيمانهم وتصديقهم، كعلي بن أبي طالب وعبد اللّه بن مسعود وجندب بن جنادة(أبي ذر) وجعفر الطيار، وحمزة بن عبد المطلب، ولفيف من الاَنصار كأُبي بن كعب وأسعد بن زرارة وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وعندئذٍ فلو صحت الرواية فلابدّ أن يحمل الناس على طائفة خاصة من قريش وغيرهم الذين آمنوا مع عمرو بن العاص، فهوَلاء أسلموا ـ إسلام الاَعراب ـ و عمرو بن العاص آمن، فلاحظ.

۵. حقّ الضيافة يوَخذ عنوة

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، انّه قال: قلنا يا رسول اللّه انّك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضيف الذي ينبغي لهم.(۲۰)

أقول: الضيافة سيرة عقلائية قامت على أساس تكريم الضيف الوارد وتبجيله واحترامه عن طيب نفس.

وأمّا إذا لم تكن مصحوبة بطيب النفس فتفقد الضيافة معناها، وتزيد في الطين بلّة إذا قام الضيف بأخذ حقّه من المضيِّف جبراً وعنفاً فهذا ينبت العداوة والبغضاء بينهما، فلا يصلح للاِسلام الداعي إلى الاَخاء والتسامح أن يأمر الضيف بأخذ حقّه من المضيف.

ولما كانت الرواية على خلاف الاَصل الثابت في الاِسلام، أعني قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا يحلّ مال امرىَ مسلم إلاّبطيب نفسه» أو قوله: «الناس مسلّطون على أموالهم»، ذهب شرّاح الحديث إلى تأويله بتأويلات مجانفة عن الحق.

من حمله على المضطرين، أو تأويله بأنّ المراد من أخذ الحقّ هو الاَخذ من أعراضهم بالاَلسنة وذكر لوَمهم وبخلهم للناس والعيب عليهم وذمهم إلى غير ذلك من الوجوه الموَوِّلة.

والتأويل الاَوّل وإن كان لا بأس به في ذاته، لكنّه يخالف ظاهر الحديث، وأمّا الثاني فبعيدعن روح الاِسلام وهو أن يسوِّغ للضيف ذكر أخيه باللوَم، والاَخذ من عرضه بحجّة انّه لم يضيّفه، وقد ذكر الاِمام النووي تأويلات أُخرى.(۲۱)

أضف إلى ذلك انّه يخالف ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي شريح العدوي، قال: سمعت أُذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: من كان يوَمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته يا رسول اللّه؟ قال: يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام، قال: قال: فما وراء ذلك فهو صدقة عليه.

وقال: من كان يوَمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.(۲۲)

ومعنى الحديث انّه ليس وراء ذينك الاَمرين شيء آخر وهو أخذ حقّ الضيافة من المضيِّف.

۱. طبقات ابن سعد: ۴/۳۴۳؛ أُسد الغابة: ۳/۴۱۷؛ سير أعلام النبلاء: ۲/۴۶۷ برقم ۹۰.

۲. المسند الجامع: ۱۵/۸۳.

۳. مسند أحمد: ۴/۱۵۹.

۴. صحيح مسلم: ۴/۱۴۰، باب الوفاء بالشروط في النكاح.

۵. مسند أحمد: ۴/۱۴۹.

۶. مسند أحمد: ۴/۱۴۷.

۷. صحيح مسلم: ۴/۱۳۹، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه.

۸. سنن ابن ماجة: ۲/۷۵۵ برقم ۲۲۴۶.

۹. سنن ابن ماجة: ۱/۶۸۹ برقم ۲۱۳۴.

۱۰. سنن النسائي: ۶/۳۷.

۱۱. مسند أحمد: ۴/۱۵۸.

۱۲. صحيح مسلم: ۷/۶۸.

۱۳. سنن ابن ماجة: ۱/۶۲۲ برقم ۱۹۳۶.

۱۴. الفروج هو قباء له شق من خلفه.

۱۵. صحيح مسلم: ۶/۱۴۳، باب إباحة لبس الحرير للرجل إذ كان به حكة أو نحوها.

۱۶. صحيح مسلم:۶/۱۴۱.

۱۷. سنن الدارمي: ۲/۲۱۱، باب فضل من مات مرابطاً؛ وأخرجه أحمد في مسنده:۴/۱۵۰.

۱۸. سنن ابن ماجة: ۱/۸۸ برقم ۲۴۱ باختلاف يسير في اللفظ.

۱۹. سنن الترمذي: ۵/۶۸۷ برقم ۳۸۴۴.

۲۰. صحيح مسلم: ۵/۱۳۸، باب الضيافة ونحوها من كتاب اللقطة.

۲۱. شرح صحيح مسلم، للنووي: ۱۲/۲۷۵.

۲۲. صحيح مسلم: ۵/۱۳۸، باب الضيافة ونحوها من كتاب اللقطة.