فالإهمال في عمل التحقيق ، يُسْخط المؤلِّفين قطعاً ، كما أنّه يُشوّه سمعة العلم والتراث ، وفيه خيانة للأجيال من الاُمّة الذين سيراجعون هذا التراث فيستفيدون منه . 
 بينما الاهتمام بالتحقيق والتأكّد منه بالسير على أُصوله العلمية القويمة ، أمر يوجب الفخر للمحقِّق ، كما أنّه إحياءٌ للمؤلِّف ، وتخليد للحقّ الذي أودعه في كتابه ، ولقد ذكر أحد الأعلام : إنّ المؤلّفين القدماء سوف يغمرون بأدعيتهم الصالحة ، المحقّقين الذين يقومون بإحياء آثارهم . 
 وهو خدمةٌ للأُمّة في الإعلان عن أمجادها العلمية ، وللأجيال القادمة بتوفير هذا الكنز لهم ، ليتزوّدوا منه بأسهل شكل وأحسنه وأقومه . 
 وكلّ ذلك لا يتحقّق إلّا بالعمل الجادّ والصائب . 
 وأمّا الخطورة فتكمن في الانحراف الذي قد يترتّب على هفوة تحقيقية يقع فيها المحقِّق ، خصوصاً في الكتب التي لها قدسيّة خاصّة ، كالذي يتعلّق بالقرآن وعلومه ، والحديث وعلومه ، وكتب الأنساب ، وأمثال ذلك . 
 وكما قلنا ، فمهما توغّل الأثر التراثيّ في القدسيّة ، كانت الخطورة في أخطائه أكثر وأشدّ . 
 ومن أهمّ الإعدادات اللازمة للمحقِّق ـ مضافاً إلى الدقّة والصبر والتواضع والإخلاص ـ هو المعرفة التامّة بالفنّ المصنَّف فيه ذلك الكتاب ، كي يكون واقفاً على أسراره وأبعاده الاصطلاحية التي لا يعرفها إلّا أهل الفنّ ، ويُطبّقها على النصّ الذي يريد تحقيقه . 
 كما أنّ الإلمام بأكثر علوم الإسلام ، أمر لازم للمحقّق ، خصوصاً العلوم الأدبية العربية ، وأهمّها النحو والصرف والبلاغة ، والأدب العام ، والتاريخ والخط ، والضبط ، والقرآن وعلومه ، والحديث والرجال ، كلّها من الضرورات التي لابدّ أن يتمتّع المحقّق للنصوص بشي ءٍ وافرٍ منها ، لأنّ الثقافة الإسلامية تعتمد على هذه