شرح حديث"من عرف نفسه فقد عرف ربّه" - الصفحه 162

الجسم من التلاشي والانفكاك والاضمحلال، فالنفس الطبيعيّ محلّه و مورده الجسم، وهو قوّة منطوية فيه، تأثيره فيه حفظه عن الهلاك، فلو كان له تعالى نفس طبيعيّ لزم كونه ذا جسم شامل للنفس الطّبيعيّ، وهو باطل ومحال.
ثمّ إنّ النفس الطبيعيّ له خادمان: أحدهما: يقال له الخفيف، والآخر: يقال له الثقيل. والخفيف عبارة عن قوّة قابلة ومائلة إلى المحيط أي العلوّ، والثقيل على عكسه أي مائلة إلى السفل. وهما عبارة عن الأركان الأربعة وهى: النار والهواء والماء والأرض، فالأمور الطّبيعية لها أركان أربعة مذكورة، وهي كلّهاأجسام بسيطة وأجزاء أوّليّة لبدن الإنسان وغيره لا يمكن أن ينقسم إلى أجسام مختلفة الصور كالجبال وغيره، أمّا كونها أربعة لأنّه لاتخلو إمّا أن تتحرّك عن المركز أو إلى المركز. فإن كان الأوّل فلا تخلو إمّا أن تطلب نفس المحيط وهو الخفيف المطلق كالنار، او القرب إليه وهو الخفيف المضاف كالهواء. وإن كان الثاني فلايخلو إمّا أن يطلب نفس المركز وهو الثقيل المطلق كالأرض، أو القرب إليه وهو الثقيل المضاف كالماء.
و منها النفس النّباتيّ، وهو عبارة عن قوة جاذبة للجسم إلى الطّول والعرض والعمق وينميها آنا فآنا ويزيدها كذلك فيه، والنفس الأولى أي النفس الطبيعيّ خادم للنّفس النّباتيّ، وكلاهما موردهما الجسم، والجسم جسم بهذين النّفسين. والنّفس الطّبيعيّ أقدم من النّباتيّ، والنباتيّ وجوده موقوه على الطبيعيّ،والجسم وجوده موقوف عليهما.
ثمّ إنّ النفس النباتيّ خادم للنفس الحيوانيّ، وهذا مع كونه خادما وعاملا للحيوانيّ له خدّام وعمّال عديدة وقوى كثيرة، وهي: القوّة الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة ومميّزة ومصوّرة ومولّده ومنميّة، فهذه ثمانية عمّال للنفس النباتيّ يعملون بحكمه.
فعمل القوّة الجاذبة: هو أنّها تجذب الغذاء إلى باطن الجسم من المأكول والمشروب وتجري إلى الأجزاء القريبة والبعيدة.
وعمل القوّة الماسكة: هو أنّها تمسك الغذاء في الباطن وتحفظه، ليكتسب كلّ جزء من أجزاء الجسم حظّه من هذا الغذاء، لئلاّ يضيع ولا يهلك بالضعف والفتور.
وعمل الهاضمة: هضم الأغذية وكسرها في باطن الجسم، وتحلّله تحليلا ناعما قابلا

الصفحه من 167