شرح حديث"من عرف نفسه فقد عرف ربّه" - الصفحه 161

الرّب لابدّ من كونها كذلك، لحصول المشابهة بين الأثر وصفة المؤثر، كما مرّ.
ثمّ إنّ الشيء له جهتان: جهة الحقيقة وهي المادة والصورة، وجهة الأثريّة لربّه وكونه أثرا له وكونه حاكيا عنه مع قطع النظر عن حقيقته وعن مادته وصورته. والجهة الأولى يعبّر عنها بالوجود بالمعنى الأوّل؛ لأنّ الوجود بالمعنى الأوّل معناه ذلك. والجهة الثانية يعبّر عنها بالوجود بالمعنى الثاني. فمعرفة النفس بالوجود بالمعنى الثاني ـ وهو كونها أثرا للرّبّ ـ أكمل المعارف وكذلك معرفة الرب بهذا النحو أكمل المعارف، فلذلك قال(ع) «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» فافهم.
ثمّ إنّ الوجود بمعنى «هستى» أمر اعتباريّ وأمر مصدريّ عارض للماهيّة عند الحكماء، لكونها عندهم أصلا والوجود فرعا طارئا لها، وعندهم يطلق الوجود و يراد ذلك. وأمّا عند بعض الأعلام يطلق الوجود ويراد منه معنيان:
الأوّل: الوجود بالمعنى الأوّل وهو عبارة عن حقيقة الشيء، وبعبارة أخرى: عبارة عن ماهيّة الشيء، وبعبارة أخرى: عبارة عن مادة الشيء وصورته، وبعبارة أخرى: عبارة عن هيولاء الشيء وصورته
الثاني: الوجود بالمعنى الثاني، وهو عبارة عن كون الشيء أثرا وحاكيا عن ربّه مع قطع النظر عن حقيقته وماهيّته ومادّته وصورته.
فعلى لحاظ القولين الوجود له معان ثلاثة، كما عرفت فافهم. وبيان الوجود والماهيّة مشروحا في كتابنا الموسوم بـ«المجردات» فارجع ثمّة.
السادس عشر: أنّه «من عرف نفسه» بأنّه له أفراد، وكل واحد من تلك الأفراد له صفات وخواصّ مختلفة، وكل واحد من تلك الأفراد خادم لآخر، يعرف جلالة الإنسان وجلالة شأنه وكماله وقدره ومنزلته، ويعرف من ذلك كونه أكرم الخلائق أجمعين، ويعرف من ذلك جلالة الخالق الذي خلق ذلك الإنسان الكامل من قطرة ماء. ويعرف من ذلك كلّه أنّ ربه ـ عزّ وجلّ ـ تعالى وتقدّس عن جميع ذلك؛ لأنّ كلّ ذلك من صفات الممكن والمخلوق، وهو تعالى منزّه عن صفات الممكن والمخلوق.
منها: أي من جملة أفراد النفس النفس الطّبيعيّ، وهو عبارة عن قوة حافظة لأجزاء

الصفحه من 167