لكنّ الإمام عليه السلام لا يرى الظروف اضطرارية مقتضية للتقيّة في خصوص النبيذ المسكر والمسح على الخفّين؛ لأنّ تكرّر نهي الكتاب العزيز عن الخمر ـ بل وعن المسكر ـ وشدّة حرمتها، ووضوح أمر الكتاب بمسح الرجلين ، جعل الحكمين المذكورين رائجين بين العامّة، فلم تكن حاجة إلى التقيّة في خصوصهما بملاحظة ذهاب جماعة إلى خلاف ظاهر الكتاب فيهما . فإذا اضطرّ الإنسان إليها في تقيّة تصبح التقيّة بشربها جائزة، بل واجبة .
وإليك بعض ما هو ظاهر في التخصّص دون التخصيص :
۱۶۴.۱ . الشيخ الطوسي بإسناده عن سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام :ليس في ترك النبيذ تقيّة . ۱
۱۶۵.۲ . روى الشيخ أيضا بإسناده إلى أبي الورد ، قال :قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا عليه السلام أراق الماء ثمّ مسح على الخفّين: فقال : كذب أبو ظبيان ، أما بلغكم قول عليّ عليه السلام فيكم : «سبق الكتاب الخفّين» . فقلت : هل فيها رخصة ؟ فقال : لا ، إلاّ من عدوّ تتّقيه ، أو ثلج تخاف على رجليك . ۲
أقول : هذا الحديث بمدلوله الالتزامي كالنصّ في أنّ نفي التقيّة في موارد المسح على الخفّين ـ الّذي يتخذ حاله وحال شرب الخمر ومتعة الحج ـ من باب التخصّص دون التخصيص ؛ ألا ترى أنّه نفى التقية عنه ثم استثنى موارد فأجاز فيها التقية ، وكذا علّل عدم جواز التقية في المسح على الخفّين بسبق الكتاب عليه .
ولقد أجاد شيخنا الاُستاذ مكارم الشيرازي «دام ظله» حيث قال : «إنّ نفي التقيّة فيها إنّما هو من باب التخصّص والخروج الموضوعي، لا من باب التخصيص والخروج الحكمي» ۳ .