249
اسباب اختلاف الحديث

وشدّة وضوح هذ الأمر يغنينا عن إطالة الكلام في إثباته بالبرهنة وذكر الشواهد ، فلنكتفِ بذكر شاهد ، فحسب .

۲۴۰.۱ . روى أبو الفتوح الرازي في تفسيره عن جماعة من المفسّرين ـ في سبب نزول الآية ۲۱۹ من سورة البقرة ـ ما ملخّصه :أنّ جماعة من الصحابة قالوا: يا رسول اللّه ، أفتِنا في الخمر والميسر ، فإنّهما مذهبة للعقل ، مسلبة للمال ، فنزلت هذه الآيه ، فأمسك عن الخمر جماعة ، ولم يمسك عنها جماعة؛ لما فيها من المنافع ، إلى أن دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة ، فهيّأ لهم طعاماً ، فلمّا أكلوا سقاهم الخمر ، فدخل المغرب وهم سكارى ، فقدّموا أحدهم ليصلّي بهم ، فقرأ الحمد وقل يا أيّها الكافرون ، وقرأ فيها: « أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ » ، إلى آخرها ، فنزلت هذه الآية: « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَـرَى » النساء : ۴۳ . الآية ، فأمسك عنها جماعة آخرون ، وقالوا: لا خير فيما يصدّنا عن الصلاة ، وفيه الإثم . وبقي آخر يشربونها في غير أوقات الصلاة ، إلى أن شربها أحد المسلمين يوما وسكر، وتذكّر قتلى بدر ، فبكى وناح ورثاهم . . . فاُخبر النبي صلى الله عليه و آله بقصّته ، فأتاه وفي يده صلى الله عليه و آله شيء يريد أن يضربه به ، فاستعاذ به، واعتذر وتاب .
ثم ذكر قصّة حمزة ، كما مرّ ما يقاربها. قال: ثم إنّ عتبان بن مالك هيّأ طعاما وشوى رأس بعير ، واحضر جماعة فيهم سعد بن أبي وقّاص ، فلمّا سكروا تفاخروا بالأشعار ، فأنشد سعد قصيدة في فخر قومه ، فقام أنصاري فأخذ عظم الرأس وشجّ به رأس سعد ، فشكا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال أحد الصحابة: اللّهم بيّن لنا بيانا شافيا في الخمر ، فأنزل اللّه هذه الآية: « إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ »۱ الآية . ۲

1.المائدة : ۹۰ .

2.مستدرك الوسائل: ج۱۷ ص۸۳ ح۲۰۸۱۳ نقلاً عن تفسير أبي الفتوح الرازي: ج۲ ص۱۸۲ ذيل الآية : ۲۱۹ من البقرة .


اسباب اختلاف الحديث
248

السبب التاسع والعشرون : التدرّج في التشريع

القرآن الكريم بما هو دستور للوحي وكتاب للتشريع الإسلامي نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ليلة مباركة ۱ وهي ليلة القدر ، ۲ وكان في تلك النزلة ـ حسب فهمنا لظاهر الآيات والروايات ـ قد «نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً»۳ ، وكانت صفة تلك الليلة أنّ «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِ»۴ اللّه سبحانه وتعالى ، ففرق في تلك الليلة ذلك الكتابَ الّذي «أُحْكِمَتْ آياتُهُ»۵ ففَصَّله ، ثمّ نزّله نجوما طيلة ثلاث وعشرين سنة .
فلمّا كان نزول التعاليم والمعارف الإسلامية أمرا تدريجيّا فطبيعة الحال تقتضي أن يكون إبلاغها كذلك . فالأحاديث ـ الصادرة ضمن هذا التدرّج في التشريع والإبلاغ ۶ ـ تكون في معرض اختلاف مناسب للتدرّج المذكور . ۷

1.الدخان : ۲ .

2.القدر : ۱ .

3.الفرقان : ۳۲ .

4.هود : ۱ .

5.بل قد يكون الإبلاغ متراخيا عن النزول المتّصف بالتدرّج .

6.إليك طائفة من الآيات الدالّة على ما ذكرناه : « إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ » (الدخان : ۳ ـ ۵) . « إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ . . . تَنَزَّلُ الْمَلَـئِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ » (القدر : ۱ ـ ۴ ) . « كِتَـبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ » (هود : ۱ ) . « كِتَـبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (فصّلت : ۳ ) . « وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَ حِدَةً كَذَ لِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَ رَتَّلْنَـهُ تَرْتِيلاً » (الفرقان : ۳۲ ) . « وَ قُرْءَانًا فَرَقْنَـهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَ نَزَّلْنَـهُ تَنزِيلاً » (الإسراء: ۱۰۶) . « لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْءَانَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَـهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ » (القيامة : ۱۶ ـ ۱۹ ) . والظاهر أنّ هذه الكريمة ناظرة إلى مرحلة الجمع بعد التفصيل إمّا في ليالى القدر بعد النزلة الاُولى أو في أزمنة بُعيدَ نزول كلّ طائفة من الآيات ؛ واللّه العالم .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 221089
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي