319
اسباب اختلاف الحديث

وأورد عليه العلاّمة الطباطبائي قدس سرهبقوله :
«وقد اختلط عليه الأمر في تحصيل حقيقة معنى الليل والنهار . توضيحه أنّ الليل والنهار متقابلان تقابل العدم والملكة؛ كالعمى والبصر ، فكما أنّ العمى ليس مطلق عدم البصر حتّى يكونَ الجدار مثلاً أعمى لعدم البصر فيه ، بل هو عدم البصر ممّا من شأنه أن يتّصف بالبصر ، كالإنسان ، كذلك الليل ليس هو مطلق عدم النور ، بل هو زمان عدم استضاءة ناحية من نواحي الأرض بنور الشمس ، ومن المعلوم أنّ عدم الملكة يتوقّف في تحقّقه على تحقّق الملكة المقابِلة له قبله ، حتّى يتعيّن بالإضافة إليه ، فلولا البصر لم يتحقّق عمى، ولولا النهار لم يتحقّق الليل . فمطلق الليل بمعناه الّذي هو به: ليل مسبوق الوجود بالنهار. وقوله : « وَ لاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ » وإن كان ناظرا إلى الترتيب المفروض بين النهر والليالي ، وأنّ هناك نهارا وليلاً، ونهارا وليلاً، وأنّ واحدا من هذه الليالي لا يسبق النهار الّذي بجنبه . لكنّه تعالى أخذ في قوله : « وَ لاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ » مطلق الليل، ونفى تقدمه على مطلق النهار ، ولم يقل : إنّ واحدا من الليالي الواقعة في هذا الترتيب لا يسبق النهار الواقع في الترتيب قبله ، فالحكم في الآية مبنيّ على ما يقتضيه طبيعة الليل والنهار بحسب التقابل الّذي أودعه اللّه بينهما ، وقد استفيد منه الحكم بانحفاظ الترتيب في تعاقب الليل والنهار ، فإنّ كلّ ليل هو افتقاد النهار الّذي هو يتلوه ، فلا يتقدّم عليه ، وإلى هذا يشير عليه السلام بعد ذكر الآية بقوله : أي الليل قد سبقه النهار ، يعني أنّ سبْق النهار الليل هو خلقه قبله ، وليس كما يتوهّم أنّ هناك نهرا أو ليالي موجودة ، ثمّ يتعيّن لكلّ منها محلّه . وقول المعترض : وأمّا بالحساب فله وجه في الجملة لا يُدرى وجه قوله : في الجملة وهو وجه تامّ مبنيّ على تسليم اُصول التنجيم صحيح بالجملة على ذلك التقدير لا في الجملة . وكذا قوله : ورأى المنجّمون أنّ ابتداء الدورة دائرة نصف النهار وله موافقة لما ذكر لا محصَّل له؛ لأنّ دائرة نصف النهار ـ وهي الدائرة المارّة على القطبين ونقطة ثالثة بينهما ـ غير متناهية في العدد لا تتعيّن لها نقطة معيّنة في السماء دون نقطة اُخرى، فيكون كون الشمس في إحداهما نهارا للأرض دون الاُخرى» .


اسباب اختلاف الحديث
318

منتزعا من التقويم القمري المقيس بالقمر . والتقويم الأوّل أمر متداول بين أهل النجوم والتقويمِ ، بل بين كثير من الاُمم والأقوام ، والتقويم القمري متداول في الشريعة المطهّرة، بل كان متداولاً في عرف العرب أيضا .
فالسبق واللحوق أمران إضافيّان يمكن أن يختلف كلّ واحد منهما باعتبار منشأ انتزاعه ومحلّ اعتباره ، فعلى التقويم الشمسي يعتبر اليوم ويعرف ابتداؤه بطلوع الشمس ، ولازمه تقدّم النهار على الليل ؛ والاعتبار في التقويم القمري ببزوغ القمر في مبتدأ الليل ، فينعكس فيه الأمر .
ثمَّ إنَّ الحديث الأوّل مضافا إلى ذلك ناظر إلى معنى آخر وهو السبق والتقدّم التكويني ففي هذا الاصطلاح كان النهار سابقا على الليل في أصل الخلقة فاستمرّ هذا الاعتبار بتعاقب الليل والنهار .
بيان ذلك : أنَّ كلّ ضياء وكلّ ظلمة لا يسمّيان بالنهار والليل ، بل هما أمران متقابلان تقابل العدم والملكة ، فالنهار هو الضياء الحاصل من نور الشمس ، ومقابله الليل ، فما لم يخلق الشمس لم يكن ليل ولا نهار ، فبخلق الشمس وإضاءتها حصل النهار ، ثمّ بغروبها سبق النهار وسجا الليل ، فتعاقبا واستمرّا . فتقدّمُ النهار على الليل ـ في التكوين أيضا ـ لا غبار عليه .
وقد اُورد على متن الحديث الرضوي بوجوه واهية أجاب عنها المحدّث العلاّمة المجلسي قدس سرهبأجوبة متينة ، فمن أراد التفصيل فليراجع . ۱
تبصرة: قال الآلوسي ـ بعد نقل الحديث الأوّل ـ : «وفي الاستدلال بالآية بحث ظاهر ، وأمّا بالحساب فله وجه في الجملة ، ورأى المنجّمون أنَّ ابتداء الدورة دائرة نصف النهار، وله موافقة لما ذكر . والّذي يغلب على الظنّ عدم صحّة الخبر من مبتدئه ؛ فالرضا[ عليه السلام ]أجلّ من أن يستدلّ بالآية على ما سمعت من دعواه» ۲ .

1.بحار الأنوار: ج۵۷ ص۲۲۷ ـ ۲۳۱ .

2.روح المعاني: ج۲۳ ص۲۳ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 221009
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي