59
اسباب اختلاف الحديث

بيان الاختلاف وعلاجه :

يمكن حمل الحديث الأوّل وأمثاله على أنّه قد صدر عن النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام كلام لم يعطه الراوي حقّه من الوعي والدقّة، فرواه بما ترى من الألفاظ التي فيها ظلم لنبي اللّه داوود عليه السلام ، على رغم عصمته وأفضليّته على الناس الذين كانوا في زمانه عليه السلام ؛ لقمانَ ومن دونه أجمعين .
وإنّما كان قضية نداء الملائكة للقمان عليه السلام باقتراح الخلافة نداء اختيار واختبار ليستعدّ لمنح الحكمة . لا نداء عزيمة منه سبحانه لخلافته . والحال أنّ داوود عليه السلام نودي بعزيمة منه سبحانه على خلافته بعدما وجده أهلاً ومستعدّا لها، واجدا للحكمة ، ولم يكن له عليه السلام اختيار بعد أمره تعالى . فأطاع ربّه، فاكتنفه اللّه الحكيم بعلمه وفضله وحكمته وعصمته ما لم يعط أحدا من أهل زمانه ، وفضّله على جميع من كان في زمانه .
ومن تدبّر فيما سنتلوه من الآيات الكريمة يصدّق ما ذكرناه :
أ ـ « وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ » . 1
ب ـ « وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـنَ وَأَيُّوبَ .... وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَــلَمِينَ .... أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَـهُمُ الْكِتَـبَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ » . 2
ج ـ « وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا » . 3
د ـ « وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ وَ سُلَيْمَـنَ عِلْمًا وَ قَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَ وَرِثَ سُلَيْمَـنُ دَاوُودَ وَ قَالَ يَـأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْ ءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » . 4
هـ « وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَ الاْءِشْرَاقِ * وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * وَ شَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَـهُ الْحِكْمَةَ

1.البقرة:۲۵۱ .

2.الأنعام: ۸۴ ـ ۸۹ .

3.الإسراء: ۵۵ .

4.النمل: ۱۵ و ۱۶ .


اسباب اختلاف الحديث
58

المثال الثالث : فضل داوود عليه السلام على لقمان عليه السلام

كثير من الروايات المشتملة على القصص، والروايات التأريخية ؛ فهي ـ مضافا إلى كونها من مظانّ الجعل والدسّ ـ مما راج فيه النقل بالمعنى ، كما أنّ الاختلاف الناشئ منه فيها أيضا متوقّع بل كثير الوقوع ، حيث نلاحظ في كثير ممّا ورد في هذا المضمار ـ لاسيما في قصص الأنبياء ـ الشذوذ والمنافاة للقرآن الكريم والسنّةِ القطعية والعقل ، وإليك انموذجا منها :

۳۰.۱ . قال السيوطي في الدرّ المنثور :أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاُصول، عن أبي مسلم الخولاني، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ لقمان كان عبدا كثير التفكّر ، حسن الظنّ، كثير الصمت ، أحبّ اللّه فأحبّه اللّه تعالى ، فمنّ عليه بالحكمة ، نودي بالخلافة قبل داوود عليه السلام ، فقيل له : يا لقمان! هل لك أن يجعلك اللّه خليفة تحكم بين الناس بالحقّ؟ قال لقمان : إن أجبرني ربّي قبلت؛ فإني أعلم أنّه إن فعل ذلك أعانني، وعلّمني، وعصمني ، وإن خيّرني ربّي قبلت العافية ، ولم أسأل البلاء . فقالت الملائكة : لم يا لقمان ؟ قال: لأنّ الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كلّ مكان، فيخذل أو يعان ، فإن أصاب فبالحريّ أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة. ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفا ضائعا ، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا، ولا يصير إلى ملك الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة، فغُطّ بالحكمة غطّا ، فانبته فتكلّم بها . ثمّ نودي داوود عليه السلام بعده بالخلافة، فقبلها ولم يشترط شرط لقمان، فأهوى في الخطيئة . ۱

۳۱.2 . الأحاديث المتواترة إجمالاً ـ مضافا لآيات الكتاب العزيز ـ الدالّة على عصمة أنبياء اللّه تعالى، ومن ناله عهد إلهي ومنصب من مناصبه سبحانه ، وكذا ما دلّ على كون حجّة اللّه تعالى وصفوته للنبوّة والخلافة الإلهية أفضل الناس في زمانه .

1.الدرّ المنثور: ج ۱ ص ۱۶۱.

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 221005
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي