85
اسباب اختلاف الحديث

حقيقته بحاجة إلى قرينة صارفة ، ومع الشكّ يحمل على الحقيقة ، مضافا إلى أنّ المبالغة لا تنفي أصل الدلالة على طول قاماتهم . مع إمكان تأييد ذلك أيضا بالأجساد التي عثر عليها من أبناء الأقوام السالفة .
ومن لطيف الاتّفاق أنّي بعد كتابة هذا الكتاب ، وفي أواخر مراحل طبعه قرأت في الجرائد خبرا يحكي قضيّة لطيفة جدّا، يمكن اعتباره من شواهد صدق ما قدّمناه آنفا ، ألا وهو :
إنّ فريقا من عمّال شركة «آرامكو» في الجنوب الغربيّ من صحراء المملكة العربية السعودية ، أثناء تفجيرهم الغاز وحصول حفرة عظيمة وجدوا هيكلاً عظيما لإنسان طوله أكثر من عشرة أمتار ، ويظهر من التصوير الجوّي المأخوذ له بمعونة طائرة مروحيّة أنّ أحد العمّال من الفريق المذكور كان واقفا بحيال رأسه، وكانت جمجمته فقطّ أكبر من العامل بكثير. وكتبت الجريدة المشار إليها أنّه يقال: إنّ الهيكل العظمي المشار إليه متعلّق برجل من قوم عاد . ۱

المثال الثالث : تخيير لقمان وداوود عليهماالسلام في خلافة الأرض

تقدّم في المثال الثالث من السبب الأوّل «النقل بالمعنى» حديث عن الدرّ المنثور ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، في تخيير لقمان وداوود عليهماالسلامعلى الخلافة في الأرض . ورواه أيضا بتفاوت يسير علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد عن المنقري، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ۲ ومتن الحديث ـ من حيث الشذوذ، والاشتمال على المناكير، ومخالفته للمقطوع من الكتاب والسنّة والعقل ، وموافقة العامّة ـ ممّا لا ينبغي الارتياب في عدم صدوره بهذا الوجه عن بيت الوحي والعصمة . كلّ ذلك مضافا إلى مشابهته لرواية الدرّ المنثور ، بل اتّحادهما ، خير قرينة على وقوع التخليط فيه . واحتمال التقيّة أو الوضع والدسّ أو التقطيع ضعيف، بنفس البيان المتقدّم في المثال الأوّل .

1.جريدة كيهان اليوميّة : ص۱۵ من يوم الأربعاء ۳ / ۴ / ۱۳۸۳ هـ ش الموافق ۴ / جمادى الاُولى ۱۴۲۵ / الرقم ۱۷۹۷۶ .

2.تفسير القمّي: ج۲ ص۱۶۲ ، بحار الأنوار: ج۱۳ ص۴۰۹ ح۲ .


اسباب اختلاف الحديث
84

الوجه ، ولا تقل: قبّح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فان اللّه تعالى خلق آدم على صورته ۱ . ۲

وأمَّا طول آدم فقد ورد في مستفيض من الأحاديث الواردة عن النبيّ صلى الله عليه و آله وأوصيائه عليهم السلام ، ۳ فيُطمأنّ بأصل صدوره عن بيت الوحي والعصمة .

۵۴.منها :ما رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزّاق عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يدخل أهل الجنّةِ الجنّةَ جُردا مُردا بيضاءَ جِعادا مُكحَّلين أبناءَ ثلاثٍ وثلاثين على خلق آدم؛ طوله ستون ذراعا، في عَرضِ سبعِ أذرُع . ۴

فإن قلت : كون قامته عليه السلام ستّين أو سبعين ذراعا ممّا لا يقبله العقل .
قلت : مضافا إلى أنّ العقل لايجد أيَّ محذور ولا استحالة في إمكان ذلك ، لحكم العقل بإطلاق قدرته تعالى، وكونه هو «الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى * وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى»۵ ؛ إنّ بعض آيات القرآن الكريم يُشعِر بكون الناس في القرون السالفة أطول منهم في الأزمنة المتأخّرة حيث يقول عزّ من قائل : «فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ»۶ .
بيانه أنّه لا حُسن في تشبيه قوم عاد ـ المهلَكين بعذاب اللّه تعالى، المقطوعة رؤوسهم بالريح الصرصر العاتية ـ بأعجاز نخل خاوية سوى الإشارة إلى طول قاماتهم ، والقول بابتنائه على المبالغة، لا يمنع عن ذلك ؛ لأنّ المبالغة خلاف الأصل، وصرف اللفظ عن

1.مسند ابن حنبل : ج۳ ص۵۵ ح۷۴۲۴ .

2.قال ابن حجر العسقلاني : قال الطبراني في كتاب السنّة: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إنّ رجلاً قال: خلق اللّه آدم على صورته؛ أي صورة الرجل. فقال: كذب، هو قول الجهميّة. انتهى. وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعا : «لا تقولنّ: قبّح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فإنّ اللّه خلق آدم على صورته» ، وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك . وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة بلفظ : «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإنّ اللّه خلق آدم على صورة وجهه» (فتح الباري : ج۵ ص۱۸۳ ) .

3.شرح اُصول الكافي: ج۱۲ ص۳۱۶ ح۳۰۸ ؛ الجواهر السنيّة : ص۳۱۶ .

4.المصنّف ـ لابن أبي شيبة : ج۸ ص۷۵ ح۵۳ ، وراجع المصنّف لعبد الرزّاق : ج۱۱ ص۴۱۶ ح۲۰۸۷۲ .

5.الأعلى : ۲ و ۳ .

6.الحاقّة : ۷ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 221143
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي