لا يقبل الشِّركة لم يلبث دون أن حكم عليها أن ليس لشيءٍ منها أن يربَّ غيره ويتولّى تدبير النظام وأداء الاُمور ، فالأصنام تماثيل عملها الإنسان وسمّاها أسماء لم ينزِّل اللَّه عليها من سلطان ، وما هذا شأنه لا يربّ الإنسان ولا يملكه وقد عملته يد الإنسان . والأجرام العلويّة كالكوكب والقمر والشمس تتحوّل عليها الحال فتغيب عن الإنسان بعد حضورها ، وما هذا شأنه لا يكون له الملك وتولِّي التدبير تكويناً كما سيجيء بيانه .
قوله تعالى : (ولِيَكونَ مِنَ المُوقِنينَ) اللام للتعليل ، والجملة معطوفة على اُخرى محذوفة ، والتقدير : ليكون كذا وكذا وليكون من الموقنين .
واليقين هو العلم الذي لا يشوبه شكّ بوجه من الوجوه ، ولعلّ المراد به أن يكون على يقين بآيات اللَّه على حدّ مافي قوله : (وجَعَلْنا مِنْهُم أئِمَّةً يَهْدُونَ بأمْرِنا لَمَّا صَبَروا وكانُوا بآياتِنا يُوقِنونَ)۱ وينتج ذلك اليقين بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العُليا.
وفي معنى ذلك ما أنزله في خصوص النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، قال : (سُبْحانَ الّذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيلاً مِن المَسْجِدِ الحَرامِ إلَى المَسْجِدِ الأقْصَى الَّذي بارَكْنا حَولَهُ لِنُريَهُ مِن آياتِنا)۲ وقال : (ما زاغَ البَصَرُ وما طَغى * لَقَدْ رأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الكُبْرى)۳وأمّا اليقين بذاته المتعالية فالقرآن يجلّه تعالى أن يتعلّق به شكّ أو يحيط به علم ، وإنّما يسلّمه تسليماً .
وقد ذكر في كلامه تعالى من خواصّ العلم اليقينيّ بآياته تعالى انكشاف ما وراء ستر الحسّ من حقائق الكون على ما يشاء اللَّه تعالى ، كما في قوله : (كلّا لَو تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقينِ * لَتَرَوُنَّ الجَحيمَ)۴وقوله : (كلّا إنّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيّينَ * وما أدراكَ ما عِلِّيّونَ * كِتابٌ مَرْقومٌ * يَشْهَدُهُ المُقَرَّبونَ) .۵