287
ميزان الحکمه المجلد الثامن

فأمر الهداية إلَى السلام والسعادة يدور مدار اتّباع رضوان اللَّه ، وقد قال تعالى‏ : (ولَا يَرْضى‏ لِعِبَادِهِ الكُفْرَ)۱(فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى‏ عَنِ القَومِ الفاسِقينَ) .۲ ويتوقّف بالأخرة علَى اجتناب سبيل الظلم والانخراط في سلك الظالمين، وقد نفَى اللَّه سبحانه عنهم هدايته وآيسهم من نيل هذه الكرامة الإلهيّة بقوله : (واللَّهُ لَا يَهْدِي القَومَ الظّالِمينَ)۳فالآية - أعني قوله : (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) - تجري بوجه مجرى‏ قوله : (الّذِينَ آمَنُوا ولَم يَلْبِسوا إيمانَهُم بِظُلْمٍ اُولئكَ لَهُمُ الأمنُ وهُم مُهْتَدُونَ)۴.۵

10 . إتمامُ الحُجّةِ

الكتاب :

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزَاً حَكِيمَاً) .۶

(انظر) الأنعام : 130 ، الملك : 8 - 10 .

الحديث :

۱۹۵۶۵.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : بَعَثَ إلَيهِمُ الرُّسُلَ لِتكونَ لَهُ الحُجّةُ البالِغَةُ على‏ خَلقِهِ ، ويكونَ رُسُلُهُ إلَيهِم شُهَداءَ علَيهِم ، وابتَعَثَ فيهِمُ النَّبيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ ليَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ، ويَحيى‏ مَن حَيَّ عَن بَيّنَةٍ ، وليَعقِلَ العِبادُ عن ربِّهِم ما جَهِلوهُ ، فيَعرِفوهُ برُبوبيَّتِهِ بعدَ ما أنكَروا ، ويُوحِّدوهُ بالإلهيّةِ بعد ما عَضَدوا .۷

۱۹۵۶۶.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : بَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ بما خَصَّهُم بهِ مِن وَحيهِ ، وجَعلَهُم حُجَّةً لَهُ على‏ خَلقِهِ ، لِئلّا تَجِبَ الحُجّةُ لَهُم بتَركِ الإعذارِ إلَيهِم ، فدَعاهُم بلِسانِ الصِّدقِ إلى‏ سَبيلِ الحَقِّ .۸

۱۹۵۶۷.عنه عليه السلام : وأشهَدُ أنَّ محمّداً صلى اللَّه عليه وآله عَبدُهُ ورَسولُهُ ، أرسَلَهُ لإنفاذِ أمرِهِ ، وإنهاءِ عُذرِهِ ، وتَقديمِ نُذُرِهِ .۹

۱۹۵۶۸.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام- لَمّا سُئلَ عن فلسفةِ النُّبوَّة -: لِئلّا يكونَ للنّاسِ علَى اللَّهِ

1.الزمر : ۷ .

2.التوبة : ۹۶ .

3.الجمعة : ۵ .

4.الأنعام : ۸۲ .

5.الميزان في تفسير القرآن : ۵/۲۴۴ .

6.النساء : ۱۶۵ .

7.التوحيد : ۴۵/۴ .

8.نهج البلاغة : الخطبة ۱۴۴ .

9.نهج البلاغة : الخطبة ۸۳ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
286

وإنّكَ لَتَهدي إلى‏ صِراطٍ مُستَقيمٍ * صِراطِ اللَّهِ‏الّذي لَهُ ما في‏السَّماواتِ وما في الأرضِ ألا إلَى اللَّهِ تَصيرُ الاُمورُ)1والآيات كماترى‏ تنسب الهداية إلَى القرآن وإلَى الرّسول صلى اللَّه عليه وآله في عين أ نّها ترجعها إلى اللَّه سبحانه ، فهو الهادي حقيقةً وغيره سبب ظاهريّ مسخّر لإحياء أمر الهداية .
وقد قيّد تعالى‏ قوله : (يَهدِي بهِ اللَّهُ) بقوله : (مَنِ اتَّبعَ رِضْوانَهُ) ويؤول إلَى اشتراط فعليّة الهداية الإلهيّة باتّباع رضوانه ، فالمراد بالهداية هو الإيصال إلَى المطلوب ، وهو أن يورده اللَّه تعالى‏ سبيلاً من سبل السلام أو جميع السبل أو أكثرها واحداً بعد آخر .
وقد أطلق تعالى‏ السلامَ ، فهو السلامة والتخلّص من كلِّ شقاء يختلّ به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة ، فيوافق ما وصف القرآن الإسلام للَّه والإيمان والتقوى‏ بالفلاح والفوز والأمن ونحو ذلك ، وقد تقدّم في الكلام على‏ قوله تعالى‏ : (اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ)2 في الجزء الأوّل من الكتاب أنّ للَّه سبحانه بحسب اختلاف حال السائرين من عباده سُبُلاً كثيرة تتّحد الجميع في طريق واحد منسوب إليه تعالى‏ يسمّيه في كلامه بالصراط المستقيم ، قال تعالى‏ : (والّذينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنينَ)3 ، وقال تعالى‏ : (وأنّ هذا صِراطِي مُسْتَقيماً فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلهِ) .4 فدلّ على‏ أنّ له سبلاً كثيرة ، لكنّ الجميع تتّحد في الإيصال إلى‏ كرامته تعالى‏ من غير أن تفرّق سالكيها ويبين كلّ سبيل سالكيه عن سالكي غيره من السبل كما هو شأن غير صراطه تعالى‏ من السبل . فمعنَى الآية - واللَّه العالم - : يهدي اللَّه سبحانه ويورد بسبب كتابه أو بسبب نبيّه من اتّبع رضاه سبلاً من شأنها أ نّه يسلَم من سار فيها من شقاء الحياة الدنيا والآخرة ، وكلّ ما تتكدّر به العيشة السعيدة .

1.الشورى‏ : ۵۲ ، ۵۳ .

2.الفاتحة : ۶ .

3.العنكبوت : ۶۹ .

4.الأنعام : ۱۵۳ .

عدد المشاهدين : 181781
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي