العلم‏ - الصفحه 33

قَدِمَ جَعفَرٌ الصَّادِقُ عليه السلام المَدينَةَ اختَلَفتُ إلَيهِ ، وأحبَبتُ أن آخُذَ عَنهُ كما أخَذتُ عَن مالِكٍ ، فقالَ لي يَوماً : إنّي رَجُلٌ مَطلوبٌ ومَعَ ذلكَ لي أورادٌ في كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَّيلِ والنَّهارِ ، فَلا تَشغَلْني عَن وِردي ، وخُذْ عَن مالِكٍ وَاختَلِفْ إلَيهِ كَما كُنتَ تَختَلِفُ إلَيهِ .
فَاغتَمَمتُ مِن ذلكَ ، وخَرَجتُ مِن عِندِهِ ، وقُلتُ في نَفسي : لَو تَفَرَّسَ فِيَّ خَيراً لَما زَجَرَني عَنِ الاختِلافِ إلَيهِ والأخذِ عَنهُ ، فَدَخَلتُ مَسجِدَ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله وسَلَّمتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ رَجَعتُ مِنَ الغَدِ إلَى الرَّوضَةِ وصَلَّيتُ فيها رَكعَتَينِ ، وقُلتُ : أسألُكَ يا اَللَّهُ يا اَللَّهُ أن تَعطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعفَرٍ وتَرزُقَني مِن عِلمِهِ ما أهتَدي بِهِ إلى‏ صِراطِكَ المُستَقيمِ . ورَجَعتُ إلى‏ داري مُغتَمّاً ولَم أختَلِفْ إلى‏ مالِكِ بنِ أنَسٍ لِما اُشرِبَ قَلبي مِن حُبِّ جَعفَرٍ ، فَما خَرَجتُ مِن داري إلّا إلَى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتّى‏ عِيلَ صَبري ، فَلَمّا ضاقَ صَدري تَنَعَّلتُ وتَرَدَّيتُ وقَصَدتُ جَعفَراً وكانَ بَعدَ ما صَلَّيتُ العَصرَ ، فلَمّا حَضَرتُ بابَ دارِهِ استَأذَنتُ عَلَيهِ فخَرَجَ خادِمٌ لَهُ فقالَ : ما حاجَتُكَ ؟ فقُلتُ : السَّلامُ عَلَى الشَّريفِ ، فقالَ : هُوَ قائمٌ في مُصَلّاهُ ، فجَلَستُ بِحِذاءِ بابِهِ ، فَما لَبِثتُ إلّا يَسيراً إذ خَرَجَ خادِمٌ فقالَ : اُدخُلْ عَلى‏ بَرَكَةِ اللَّهِ ، فدَخَلتُ وسَلَّمتُ عَلَيهِ ، فرَدَّ السَّلامَ وقالَ : اِجلِسْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ، فجَلَستُ ، فأطرَقَ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ، وقالَ : أبو مَن ؟ قُلتُ : أبو عَبدِ اللَّهِ ، قالَ : ثَبَّتَ اللَّهُ كُنيَتَكَ ووَفَّقَكَ ، يا أبا عَبدِ اللَّهِ ما مَسألَتُكَ ؟ فقُلتُ في‏نَفسي : لَو لَم يَكُن لي مِن زِيارَتِهِ والتَّسليمِ غَيرُ هذا الدُّعاءِ لَكانَ كَثيراً . ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ، ثُمَّ قالَ : ما مَسألَتُكَ ؟ فقُلتُ : سَألتُ اللَّهَ أن يَعطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ ويَرزُقَني‏مِن عِلمِكَ ، وأرجو أنَّ اللَّهَ تَعالى‏ أجابَني في‏الشَّريفِ ما سَألتُهُ ، فقالَ : يا أبا عَبدِ اللَّهِ ، لَيسَ العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، إنَّما هُوَ نورٌ يَقَعُ في قَلبِ مَن يُريدُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى‏ أن يَهدِيَهُ ، فإن أرَدتَ العِلمَ فَاطلُبْ أوَّلاً في نَفسِكَ حَقيقَةَ العُبودِيَّةِ ، وَاطلُبِ العِلمَ بِاستِعمالِهِ ،

الصفحه من 62