وَاستَفهِمِ اللَّهَ يُفهِمْكَ . قُلتُ : يا شَريفُ ، فقالَ : قُل : يا أبا عَبدِ اللَّهِ ، قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللَّهِ ما حَقيقَةُ العُبودِيَّةِ ؟ قالَ : ثَلاثَةُ أشياءَ : أن لا يَرَى العَبدُ لِنَفسِه فيما خَوَّلَهُ اللَّهُ مِلْكاً ؛ لأِنَّ العَبيدَ لا يَكونُ لَهُم مِلكٌ ، يَرَونَ المالَ مالَ اللَّهِ يَضَعونَهُ حَيثُ أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ ، ولا يُدَبِّرُ العَبدُ لِنَفسِهِ تَدبيراً ، وجُملَةُ اشتِغالِه فيما أمَرَهُ تَعالى بِهِ ونَهاهُ عَنهُ ، فإذا لَم يَرَ العَبدُ لِنَفسِهِ فيما خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعالى مِلكاً هانَ عَلَيهِ الإنفاقُ فيما أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى أن يُنفِقَ فيهِ ، وإذا فَوَّضَ العَبدُ تَدبيرَ نَفسِهِ عَلى مُدَبِّرِهِ هانَ عَلَيهِ مَصائبُ الدّنيا ، وإذا اشتَغَلَ العَبدُ بِما أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى ونَهاهُ لا يَتَفَرَّغُ مِنهُما إلَى المِراءِ والمُباهاةِ مَعَ النّاسِ ، فإذا أكرَمَ اللَّهُ العَبدَ بِهذِه الثَّلاثَةِ هانَ عَلَيهِ الدّنيا وإبليسُ والخَلقُ ، ولا يَطلُبُ الدّنيا تَكاثُراً وتَفاخُراً ، ولا يَطلُبُ ما عِندَ النّاسِ عِزّاً وعُلُوّاً ، ولا يَدَعُ أيّامَهُ باطِلاً ، فَهذا أوَّلُ دَرَجَةِ التُّقى ، قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى : (تِلكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلّذينَ لا يُريدونَ عُلُوّاً في الأرضِ وَلا فَساداً وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ) .۱
قُلتُ : يا أبا عَبدِ اللَّهِ أوصِني ، قالَ : اُوصيكَ بِتِسعَةِ أشياءَ فإنَّها وَصِيَّتي لِمُريدي الطَّريقِ إلَى اللَّهِ تَعالى ، وَاللَّهَ أسألُ أنيُوَفِّقَكَلِاستِعمالِه؛ ثَلاثَةٌ مِنهافيرِياضَةِ النَّفسِ۲ ، وثَلاثَةٌ مِنها فِي الحِلمِ ، وثَلاثَةٌ مِنها فِي العِلمِ ، فَاحفَظْها وإيّاكَ والتَّهاوُنَ بِها ، قالَ عُنوانٌ : ففَرَّغتُ قَلبي لَهُ .
فقالَ : أمّا اللَّواتي فِي الرِّياضَةِ : فإيّاكَ أن تَأكُلَ ما لا تَشتَهيهِ فإنَّهُ يورِثُ الحَماقَةَ والبَلَهَ ، ولا تَأكُلْ إلّا عِندَ الجُوعِ ، وإذا أكَلتَ فكُلْ حَلالاً وسَمِّ اللَّهَ ، وَاذكُرْ حَديثَ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله : ما مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرّاً مِن بَطنِهِ ، فإن كانَ ولابُدَّ فثُلثٌ لِطَعامِهِ وثُلثٌ لِشَرابِهِ وثُلثٌ لِنَفَسِهِ .
وأمّا اللَّواتي فِي الحِلمِ : فمَن قالَ لَكَ : إن قُلتَ واحِدَةً سَمِعتَ عَشراً فقُلْ : إن قُلتَ عَشراً لَم تَسمَعْ واحِدَةً ، ومَن شَتَمَكَ فقُلْ لَهُ : إن كُنتَ صادِقاً
1.القصص : ۸۳ .
2.الرياضة : تهذيب الأخلاق النفسيّة .