الغِيبة - الصفحه 17

للّسان فِي المعنى‏ الذي حُرّم التلفّظ به لأجله ، ومن ذلك ما روي عن عائشة أنّها قالت : دخلت علينا امرأة فلمّا ولّت أومأتُ بيدي أي قصيرة ، فقال صلى اللَّه عليه وآله : اغتَبتِيها . ومن ذلك المحاكاة بأن تمشي متعارجاً أو كما يمشي فهو غيبة ، بل أشدّ من الغيبة ؛ لأ نّه أعظم فِي التصوير والتفهيم ، وكذلك الغيبة بالكتاب فإنّ الكتاب - كما قيل - أحد اللّسانين . ومن ذلك ذكر المصنّف شخصاً معيّناً وتهجين كلامه فِي الكتاب إلّا أن يقترن به شي‏ء من الأعذار المحوجة إلى ذكره كمسائل الاجتهاد التي لايتمّ الغرض من الفتوى‏ وإقامة الدلائل على المطلوب إلّا بتزييف كلام الغير ونحو ذلك . ويجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة في ذلك ، وليس منه قوله : قال قوم كذا مالم يصرّح بشخص معيّن ، ومنها أن يقول الإنسان : بعض من مرّ بنا اليوم أو بعض من رأيناه حالُهُ كذا ، إذا كان المخاطب يفهم منه شخصاً معيّناً ؛ لأنّ المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم ، فأمّا إذا لم يفهمه عينه جاز ، كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا كره من إنسان شيئاً قال : ما بالُ أقوامٍ يفعلونَ كذا وكذا ؟ ! ولا يُعيِّن .
ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة المتسمّين بالفهم والعلم المرائين ؛ فإنّهم يفهمون المقصود على صفة أهل الصلاح والتقوى‏ ليُظهروا من أنفسهم التعفّف عن الغيبة ويفهمون المقصود ، ولايدرون بجهلهم أنّهم جمعوا بين فاحشتين : الرياء والغيبة ، وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان فيقول : الحمد للَّه الذي لم يبتلنا بحبّ الرياسة أو بحبّ الدّنيا أو بالتكيّف بالكيفيّة الفلانيّة ، أو يقول : نعوذ باللَّه من قلّة الحياء أو من سوء التوفيق ، أو نسأل اللَّه أن يعصمنا من كذا ، بل مجرّد الحمد على شي‏ء إذا علم منه اتّصاف المحدّث عنه بما ينافيه ونحو ذلك فإنّه يغتابه بلفظ الدعاء وسمت أهل الصلاح ، وإنّما قصده أن يذكر عيبه بضرب من الكلام المشتمل على الغيبة والرياء ودعوى الخلاص من الرذائل ، وهو عنوان الوقوع فيها ، بل في أفحشها .

الصفحه من 20