للّسان فِي المعنى الذي حُرّم التلفّظ به لأجله ، ومن ذلك ما روي عن عائشة أنّها قالت : دخلت علينا امرأة فلمّا ولّت أومأتُ بيدي أي قصيرة ، فقال صلى اللَّه عليه وآله : اغتَبتِيها . ومن ذلك المحاكاة بأن تمشي متعارجاً أو كما يمشي فهو غيبة ، بل أشدّ من الغيبة ؛ لأ نّه أعظم فِي التصوير والتفهيم ، وكذلك الغيبة بالكتاب فإنّ الكتاب - كما قيل - أحد اللّسانين . ومن ذلك ذكر المصنّف شخصاً معيّناً وتهجين كلامه فِي الكتاب إلّا أن يقترن به شيء من الأعذار المحوجة إلى ذكره كمسائل الاجتهاد التي لايتمّ الغرض من الفتوى وإقامة الدلائل على المطلوب إلّا بتزييف كلام الغير ونحو ذلك . ويجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة في ذلك ، وليس منه قوله : قال قوم كذا مالم يصرّح بشخص معيّن ، ومنها أن يقول الإنسان : بعض من مرّ بنا اليوم أو بعض من رأيناه حالُهُ كذا ، إذا كان المخاطب يفهم منه شخصاً معيّناً ؛ لأنّ المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم ، فأمّا إذا لم يفهمه عينه جاز ، كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا كره من إنسان شيئاً قال : ما بالُ أقوامٍ يفعلونَ كذا وكذا ؟ ! ولا يُعيِّن .
ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة المتسمّين بالفهم والعلم المرائين ؛ فإنّهم يفهمون المقصود على صفة أهل الصلاح والتقوى ليُظهروا من أنفسهم التعفّف عن الغيبة ويفهمون المقصود ، ولايدرون بجهلهم أنّهم جمعوا بين فاحشتين : الرياء والغيبة ، وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان فيقول : الحمد للَّه الذي لم يبتلنا بحبّ الرياسة أو بحبّ الدّنيا أو بالتكيّف بالكيفيّة الفلانيّة ، أو يقول : نعوذ باللَّه من قلّة الحياء أو من سوء التوفيق ، أو نسأل اللَّه أن يعصمنا من كذا ، بل مجرّد الحمد على شيء إذا علم منه اتّصاف المحدّث عنه بما ينافيه ونحو ذلك فإنّه يغتابه بلفظ الدعاء وسمت أهل الصلاح ، وإنّما قصده أن يذكر عيبه بضرب من الكلام المشتمل على الغيبة والرياء ودعوى الخلاص من الرذائل ، وهو عنوان الوقوع فيها ، بل في أفحشها .