ومن ذلك أنّه قد يقدِّم مدح من يريد غيبته فيقول : ما أحسن أحوال فلان ! ما كان يقصّر فِي العبادات ، ولكن قد اعتراه فتور وابتلي بما نبتلى به كلّنا ، وهو قلّة الصبر ! فيذكر نفسه بالذمّ ومقصوده أن يذمّ غيره ، وأن يمدح نفسه بالتشبّه بالصالحين في ذمّ أنفسهم ، فيكون مغتاباً مرائياً مزكّياً نفسه فيجمع بين ثلاث فواحش ، وهو يظنّ بجهله أنّه من الصالحين المتعفّفين عن الغيبة ، هكذا يلعب الشيطان بأهل الجهل إذا اشتغلوا بالعلم أو العمل، من غير أن يتقنوا الطريق ، فيتعبهم ويُحبِط بمكائده عملهم ويضحك عليهم .
ومن ذلك أن يذكر ذاكرٌ عيب إنسان فلا يتنبّه له بعض الحاضرين ، فيقول : سبحان اللَّه ما أعجب هذا ! حتّى يصغي الغافل إلى المغتاب ويعلمَ ما يقوله ، فيذكرَ اللَّه سبحانه ويستعملَ اسمَه آلة له في تحقيق خبثه وباطله ، وهو يمنّ على اللَّه بذكره جهلاً منه وغروراً .
ومن ذلك أن يقول : جرى من فلان كذا وابتلي بكذا ، بل يقول : جرى لصاحبنا أو صديقنا كذا تاب اللَّه علينا وعليه ! يُظهر الدعاء والتألّم والصداقة والصّحبة ، واللَّه مطّلع على خبث سريرته وفساد ضميره ، وهو بجهله لايدري أنّه قد تعرّض لمقتٍ أعظم ممّا يتعرّض له الجهّال إذا جاهروا بالغيبة .
ومن أقسامها الخفيّة الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجّب ؛ فإنّه إنّما يُظهر التعجّب ليزيد نشاطَ المغتاب فِي الغيبة فيزيد فيها ، فكأنّه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق ، فيقول : عجبت ممّا ذكرتَه ما كنت أعلم بذلك إلى الآن ، ماكنت أعرف من فلان ذلك ! يريد بذلك تصديق المغتاب واستدعاءَ الزيادة منه باللّطف ، والتصديق للغيبة غيبة ، بل الإصغاء إليها بل السكوت عند سماعها ... .۱
1.بحار الأنوار : ۷۵/۲۲۳ - ۲۲۵ .