كان له الإمكان سواء أخذ في نفسه ولم ينسب إلى شيء كالماهيّة الممكنة في ذاتها أو نسب إلى بعض أجزاء علّته التامّة، فإنّه لو أوجب ضرورته ووجوبه كان علّة له تامّة، والمفروض خلافه .
ولمّا كانت الضرورة هي تعيّن أحد الطرفين وخروج الشيء عن الإبهام، كانت الضرورة المنبسطة على سِلسِلة الممكنات من حيث انتسابها إلَى الواجب تعالى الموجب لكلّ منها في ظرفه الذي يخصّه قضاء عامّاً منه تعالى كما أنّ الضرورة الخاصّة بكلّ واحد منها قضاء خاصّ به منه ، إذا لا نعني بالقضاء إلّا فصل الأمر وتعيينه عن الإبهام والتردّد .
ومن هنا يظهر أنّ القضاء من صفاته الفعليّة ، وهو مُنتزَع من الفعل من جهة نسبته إلى علّته التامّة الموجبة له .
3 - والروايات في تأييد ما تقدّم كثيرة جدّاً : ففي المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عُمير عن هِشام بن سالم قال : قالَ أبو عبداللَّه عليه السلام : إنّ اللَّهَ إذا أرادَ شيئاً قَدَّرَهُ ، فإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، فإذا قَضاهُ أمضاهُ .
وفيه عن أبيهِ عن ابنِ أبي عُمَيرٍ عن محمّدِ بنِ إسحاقَ قالَ : قالَ أبو الحسنِ عليه السلام لِيُونُسَ مَولى عليِّ بنِ يَقطينٍ : يا يُونسُ ، لا تَتَكلَّمْ بالقَدَرِ . قالَ : إنّي لا أتَكَلَّمُ بالقَدَرِ ، ولكنْ أقولُ : لا يكونُ إلّا ما أرادَ اللَّهُ وشاءَ وقَضى وقَدَّرَ ، فقالَ : ليسَ هكذا أقولُ ، ولكنْ أقولُ : لا يكونُ إلّا ما شاءَ اللَّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . ثُمّ قالَ : أتَدري ما المَشيّةُ ؟ فقالَ : لا ، فقالَ : هَمُّهُ بالشَّيءِ ، أوَتَدري ما أرادَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : إتمامُهُ علَى المَشيَّةِ ، فقالَ : أوَتَدري ما قَدَّرَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هُو الهَندَسَةُ مِن الطُّولِ والعَرضِ والبَقاءِ . ثُمّ قالَ : إنَّ اللَّهَ إذا شاءَ شَيئاً أرادَهُ ، وإذا أرادَ قَدَّرَهُ ، وإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإذا قَضاهُ أمضاهُ ، الحديث .