عليها بحركة القلب ونبضانه باقيةٌ بخلاف القلب - قطع على أنّ مبدأ الحياة هو القلب ، أي أنّ الروح التي يعتقدها في الحيوان أوّل تعلُّقها بالقلب وإن سرت منه إلى جميع أعضاء الحياة ، وأنّ الآثار والخواصّ الروحيّة كالإحساسات الوجدانيّة مثل الشعور والإرادة والحبّ والبغض والرجاء والخوف وأمثال ذلك كلُّها للقلب بعناية أ نّه أوّل متعلّقٍ للروح ، وهذا لا ينافي كون كلِّ عضوٍ من الأعضاء مَبدءً لفعله الذي يختصُّ به كالدِّماغ للفكر والعين للإبصار والسمع للوعي والرِّئة للتنفّس ونحو ذلك ، فإنّها جميعاً بمنزلة الآلات التي يفعل بها الأفعال المحتاجة إلى توسيط الآلة.
وربّما يؤيِّد هذا النظر ما وجده التجارب العلميّة أنّ الطيور لا تموت بفقد الدِّماغ إلّا أ نّها تفقد الإدراك ولا تشعر بشيءٍ ، وتبقى على تلك الحال حتّى تموت بفقد المواد الغذائيّة ووقوف القلب عن ضَرَبانه .
وربّما أيّده أيضاً أنّ الأبحاث العلميّة الطبيعيّة لم توفّق حتَّى اليوم لتشخيص المصدر الذي يصدر عنه الأحكام البدنيّة ، أعني عرش الأوامر التي يمتثلها الأعضاء الفعّالة في البدن الإنسانيّ ، إذ لا ريب أ نّها في عين التشتّت والتفرُّق من حيث أنفسها وأفعالها مجتمعةٌ تحت لواء واحد منقادة لأمير واحد ، وحدةً حقيقية .
ولا ينبغي أن يُتوهّم أنّ ذلك كان ناشئاً عن الغفلة عن أمر الدماغ وما يخصُّه من الفعل الإدراكيّ ، فإنّ الإنسان قد تنبّه لما عليه الرأس من الأهميّة منذ أقدم الأزمنة ، والشاهد عليه ما نرى في جميع الاُمم والملل علَى اختلاف ألسنتهم من تسمية مبدأ الحكم والأمر بالرأس ، واشتقاق اللغات المختلفة منه ، كالرأس والرئيس والرئاسة ، ورأس الخيط ، ورأس المدّة ، ورأس المسافة ، ورأس الكلام ، ورأس الجبل ، والرأس من الدوابّ والأنعام ، ورئاس السيف .