اللّغو - الصفحه 5

من الفعل هو ما لا فائدة فيه ، ويختلف باختلاف الاُمور التي تعود عليها الفائدة ، فربّ فعل هو لغو بالنسبة إلى‏ أمر وهو بعينه مفيد مُجدٍ بالنسبة إلى‏ أمر آخر .
فاللغو من الأفعال في نظر الدين : الأعمال المباحة التي لا يُنتفع بها في الآخرة أو في الدُّنيا بحيث ينتهي أيضاً إلَى الآخرة ، كالأكل والشرب بداعي شهوة التغذّي اللَّذَين يتفرّع عليهما التقوّي على‏ طاعة اللَّه وعبادته ، فإذا كان الفعل لا ينتفع به في آخرة ولا في دنيا تنتهي بنحوٍ إلى‏ آخرة فهو اللغو . وبنظر أدقّ : هو ما عدا الواجبات والمستحبّات من الأفعال .
ولم يصف سبحانه المؤمنين بترك اللغو مطلقاً ، فإنّ الإنسان في معرض العثرة ومزلّة الخطيئة ، وقد عفا عن السيّئات إذا اجتنبت الكبائر كما قال : (إن تَجْتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنكُم سَيّئاتِكُم ونُدخِلْكُم مُدْخَلاً كَريماً)۱.
بل وصفهم بالإعراض عن اللغو دون مطلق تركه ، والإعراض يقتضي أمراً بالفعل يدعو إلَى الاشتغال به فيتركه الإنسان صارفاً وجهه عنه إلى‏ غيره ؛ لعدم اعتداده به واعتنائه بشأنه . ولازمه ترفّع النفس عن الأعمال الخسيسة ، واعتلاؤها عن الاشتغال بما ينافي الشرف والكرامة ؛ وتعلّقها بعظائم الاُمور وجلائل المقاصد .
ومن حقّ الإيمان أن يدعو إلى‏ ذلك ؛ فإنّ فيه تعلّقاً بساحة العظمة والكبرياء ومنبع العزّة والمجد والبهاء ، والمتّصف به لا يهتمّ إلّا بحياة سعيدة أبديّة خالدة ، فلا يشتغل إلّا بما يستعظمه الحقّ ، ولا يستعظم ما يهتمّ به سفلة النّاس وجهلتهم ، «وإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلاماً ، وإذا مَرُّوا باللَّغو مَرُّوا كِراماً » .
ومن هنا يظهر أنّ وصفهم بالإعراض عن اللغو كناية عن علوّ همّتهم وكرامة نفوسهم .۲

1.النساء : ۳۱ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۵/۹ .

الصفحه من 6