المَلائكة - الصفحه 11

تعالى‏ وبين خلقه بإنفاذ أمره فيهم ، وليس ذلك على‏ سبيل الاتّفاق بأن يُجري اللَّه سبحانه أمراً بأيديهم ثمّ يُجري مثله لا بتوسيطهم فلا اختلاف ولا تخلّف في سنّته تعالى‏: (إنّ ربّي على‏ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ)۱، وقال : (فلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلاً ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحويلاً) .۲
ومن الوساطة : كون بعضهم فوق بعض مقاماً وأمر العالي منهم السافل بشي‏ءٍ من التدبير ؛ فإنّه في الحقيقة توسّط من المتبوع بينه تعالى‏ وبين تابعه في إيصال أمر اللَّه تعالى‏، كتوسّط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالى‏ حاكياً عن الملائكة : (وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلومٌ)۳ ، وقال : (مُطاعٍ ثَمَّ أمينٍ)۴ ، وقال : (حَتّى‏ إذا فُزِّعَ عَن قُلوبِهِم قالوا ماذا قالَ ربُّكُمْ قالوا الحَقّ) .۵
ولا ينافي هذا الذي ذكر - من توسّطهم بينه تعالى‏ وبين الحوادث ؛ أعني كونهم أسباباً تستند إليها الحوادث - استناد الحوادث إلى‏ أسبابها القريبة المادّية ؛ فإنّ السببيّة طوليّة لا عرضيّة ؛ أي إنّ السبب القريب سبب للحادث ، والسبب البعيد سبب للسبب .
كما لا ينافي توسّطهم واستناد الحوادث إليهم استناد الحوادث إليه تعالى‏ وكونه هو السبب الوحيد لها جميعاً على‏ ما يقتضيه توحيد الربوبيّة؛ فإنّ السببيّة طوليّة كما سمعت لا عرضيّة، ولا يزيد استناد الحوادث إلَى الملائكة استنادها إلى‏ أسبابها الطبيعيّة القريبة ، وقد صدَّق القرآن الكريم استناد الحوادث إلَى الحوادث الطبيعيّة كما صدَّق استنادها إلَى الملائكة .
وليس لشي‏ءٍ من الأسباب استقلال قباله تعالى‏ حتّى‏ ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما استند إليه إلَى اللَّه سبحانه ،

1.هود : ۵۶ .

2.فاطر : ۴۳ .

3.الصافّات : ۱۶۴ .

4.التكوير : ۲۱ .

5.سبأ : ۲۳ .

الصفحه من 14