على ما يقول به الوثنيّة من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلَى الملائكة المقرّبين ، فالتوحيد القرآنيّ ينفي الاستقلال عن كلّ شيء من كلِّ جهة ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .
فمثل الأشياء في استنادها إلى أسبابها المترتّبة القريبة والبعيدة وانتهائها إلَى اللَّه سبحانه بوجه بعيد كمثل الكتابة يكتبها الإنسان بيده وبالقلم ، فللكتابة استناد إلَى القلم ، ثمّ إلَى اليد الّتي توسّلت إلَى الكتابة بالقلم، وإلَى الإنسان الذي توسّل إليها باليد وبالقلم ، والسبب بحقيقة معناه هو الإنسان المستقلّ بالسببيّة ؛ من غير أن ينافي سببيّته استناد الكتابة بوجه إلَى اليد وإلَى القلم .
ولا منافاة أيضاً بين ما تقدّم أنّ شأن الملائكة هو التوسُّط في التدبير وبين ما يظهر من كلامه تعالى أنّ بعضهم أو جميعهم مداومون على عبادته تعالى وتسبيحه والسجود له ، كقوله : (ومَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ ولا يَسْتَحْسِرونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ والنَّهارَ لا يفْترُونَ)۱، وقوله : (إنَّ الّذينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكبِرُون عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ ولَهُ يَسْجدُونَ)۲ ، وذلك لجواز أن تكون عبادتهم وسجودهم وتسبيحهم عين عملهم في التدبير وامتثالهم الأمر الصادر عن ساحة العزّة بالتوسّط ، كما ربّما يومئ إليه قوله تعالى : (وَللَّهِِ يَسْجدُ ما في السَّماواتِ ومَا في الأَرْضِ مِن دَابّةٍ والملائِكَةُ وهُمْ لا يسْتَكْبِرُونَ)۳.۴
3653 - المَلائِكَةُ الحَفَظَةُ
الكتاب :
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) .۵
(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
1.الأنبياء : ۱۹ ، ۲۰ .
2.الأعراف : ۲۰۶ .
3.النحل : ۴۹ .
4.الميزان في تفسير القرآن: ۲۰/۱۸۲ - ۱۸۴.
5.الأنعام : ۶۱ .