الحشويّة آراء و ملتزمات - الصفحه 14

والأخذبقولهم.
ومع هذا فإنّ الأخذ بأقوال الصحابة - على اختلافها - إنّما هو التقليد لهم في ما فهموه من الكتاب وسُنّة الرسول(ص)، فلو كان التقليد ممنوعاً - حسب زعمكم الفاسد - لم يكن فرقٌ بين تقليد الصحابي، وبين تقليد التابعي أو تابعه.
هذا إن كان كلّ صحابيّ فقيهاً، بينما الفقهاء منهم معدودون!
ولكنّ المغالطة في أقوال ذيول السلفية هؤلاء، أنّهم بينما يتهجّمون على التقليد للمذاهب الفقهيّة، فهم في نفس الوقت من دعاة التقليد بأشدّ ما يكون، ولمنْ لم يبلغ رتبة الاجتهاد ولم يستضي ء بنور العلم، وإنّما روى ألفاظ الحديث ونصوصه، ولم يجمع أحدٌ منهم كلّ الحديث بأجمعه.
فبدلاً أن يقلّدوا مجتهداً جمع العلم وأخذ بزمامه واعتمد الكتاب وآياته، والسنّة ونصوصها، ورواها بطرقه إلى أعلام المحدّثين، فهم يقلّدون من سمّوهم الصحابة، وهم رواة، لم يزيدوا على الرواية اجتهاداً ولا استدلالاً ولا لاحظوا تعارضاً ولا ترجيحاً بين الروايات.
وزعمهم اتّباعهم للصحابة زورٌ وكذبٌ، بل إنّما يتّبعون مَنْ وافق أهواءهم رأيه من الصحابة، وأمّا مَنْ خالفهم فقد اتّهموه بعدم العلم وعدم سماع الحديث، وهاهم يرفضونه، فإذا كان الصحابيّ مثل أبي ذرّ، فيقول أحدهم: إنّ أبا ذرّ - رضي اللّه عنه- لم يعلم الناسخ، وفي ذلك يقول أوس - رضي اللّه عنه - كان أبو ذرّ يسمع الحديث من رسول اللّه(ص) فيه الشدّة ثمّ يخرج إلى قومه، ثمّ يرخّص فيه النبيّ(ص) فلا يسمع الرخصة ويتعلّق بالأمر الأوّل ۱ .
وهذه جسارة فظيعة على هذا الصحابيّ الصادق، وتجهيلٌ له، وتبريرٌ لمن عارضوه من الاُمراء، وتزييف لعمل ذلك الصحابي المجاهد.

1.فتنة مقتل عثمان، محمّد بن عبد القبان (۱ / ۱۰۶) المدينة المنوّرة ۱۴۱۹ه

الصفحه من 72