تحقيق التراث: من أين؟ و إلي أين؟ - الصفحه 267

وراوي هذا الحديث هو الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وهو الذي يقول : «قَيِّدوا العِلمَ بالكتابِ»۱.
وأمّا حفيدهُ الإمام جعفر الصادق عليه السلام فهو قد بلغ الغاية في ذلك ، لمّا قال : «احتفِظوا بِكُتبكم ، فإنّكم سوفَ تحتاجون إليها»۲.
ويقول للمفضّل بن عمر الجعفي : «أكتب وبُثَّ علمك في إخوانك ، فإنْ مُتَّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على النّاس زمانٌ هَرْجٌ لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم» ۳ .
وهل يُنكرُ أحدٌ أنّ زماننا هذا هو من ذلك الزمان الهَرْج ؟ الذي انقلبتْ فيه الموازين ، وانكفأتْ فيه الأقدار ؟ ولُبِسَ فيه الإسلام مقلوباً ؟ وتاهَتْ فيه البصائر ؟ وشاهتْ الوجوه والطرق!
فنحنُ ، - اليوم و بلا ريْبٍ - أحوجُ ما نكونُ فيه إلى الثروة الكتابيّة التي ادّخرها لنا علماءُ الحقّ والدين ، وحفظوها لنا بأغلى الأثمان ، ببذل النفوس ، بَدَلَ الفلوس ، وسطّروها بالدمع الأحمر ، بَدَلَ الحبر الأسود ، فهي ذخائر الفكر ، لابدَّ أن نعتزَّ بها ، ونقدِّرها ، ونُحافظ عليها بشتّى الأشكال .
ومن أوضح طرق ذلك هي المحافظة عليه بالإحياء والتحقيق والنشر ، والعرض الجيّد ، حتّى يبلغ الناس ، بمحاسنه وكمالاته ، وعظمته وتأثيره البليغ ، كي يعُوْه فيتَّبعُوْه . إنّ القيام بهذا أمرٌ واجبٌ ، امتثالاً لأمر الأئمّة عليهم السلام في قولهم : «أكْتُبْ» و «احْتَفِظُوا» وفي قولهم : «رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أحْيَى أَمْرَنا ، يَتَعَلَّمُ عُلُومَنا ويُعلّمها الناسَ ، فإنّ الناسَ لو سمعوا محاسن كلامِنا لاتَّبَعُونا»۴.

1.تقييد العلم ، للخطيب البغدادي (ص ۹۰) وهو حديث ورد مرفوعاً أيضاً

2.الكافي ، للكليني (۱ / ۴۲) كتاب فضل العلم ، باب رواية الكتب الحديث (۱۰)

3.المصدر السابق ، الموضع نفسه ، الحديث (۱۱)

4.عيون أخبار الرضاعليه السلام (۲ / ۲۷۵) ومعاني الأخبار (ص ۱۸۰) وكلاهما للشيخ الصدوق ، وبحار الأنوار (۲ / ۳۰) ووسائل الشيعة (۲۷ / ۲۵۲)

الصفحه من 306