تحقيق التراث: من أين؟ و إلي أين؟ - الصفحه 268

إنّ إحياء التُراث وتحقيقه وعرضه بأحسن شكلٍ، لهوَ أكبر دَعْمٍ «للفِكر الإسلاميّ». ولقد بذلَ عُلماء الإسلام قُصارى جهودهم من أجلِ الحفاظ على هذا الفكر ، بالتدقيق والبحث ليبقى مستمرّاً ، مصوناً محفوظاً ، وقد نقلوا ذلك في أعمالهم ومؤلّفاتهم القيّمة التي هي حلقات متوالية توصل إلى معين أهل البيت عليهم السلام وهي تؤدّي وظيفة دعمه وتوضيحه ، ونشره .
لكنّ ، ذلك التراث ، كيف نتعامل مع أصوله ، لنقدّمه إلى الناس ، بمحاسنه ؟
ومَنْ هو الذي عليه أن يقوم بهذه المهمّة المقدّسة ؟
لا ريبَ في أنّ هذا الواجبَ ، ككلّ عملٍ مُهمٍّ ، بحاجةٍ إلى خُبراء متخصّصين ، ينقطعون إليه ، يقومون بأداء هذا الواجب الذي هو كفائيٌّ ، تقعُ مسؤوليّته على جميع الاُمّة كلّها ، لو لم يكن واجباً عَيْنيّاً على العلماء منهم ، خاصّةً .
إنّ هذا الواجب المقدّس ، لا يرتفع عن الأعناق ما لم يتخصّص له ذَوُو الكفاءات ، المخلِصون الأُمناء عليه ، يتفرّغون له ، ويبذلون قصارى جُهودهم لاستيعاب قواعده ، درساً ونظراً ، ثمّ عملاً وتطبيقاً ، حتّى يؤدُّوا ما يجبُ له بأفضل ما يجبُ وأقومه ، ويُقام بحقّه كما هو .
ولكنّه ، إذا قُدّم محرّفاً ، أو ناقصاً ، أو غير مفهومٍ ، فإنّه لا محالةً لايؤدّي الهدفَ المنشودَ ، ولا يُوصِل إلى المطلوبِ ، وهو رفع الحاجة المفروضة في قوله عليه السلام : «فإنّكم سوف تحتاجُون إليها» لأنّ الحاجة من الكتاب ، لا تتأمَّنُ بالمطموس ولا المصحّف ولا المغلوط ، ولا المبتور الناقص .
إنّ النصَّ الناقصَ والمحرّفَ لا يُفيد ، بل قد يكون مُضرّاً في أحيانٍ كثيرةٍ ، فقد يدلّ على خلاف المقصود ، كما إذا أصبح النفيُ إثباتاً ، أو الإثباتُ نفياً .
فمن هنا ، تكبُر المسؤوليّةُ تجاه التراث العزيز .
وهناك جانبٌ خطيرٌ آخر ، وهو : أنّ التراث الذي خلّفه العلماء يُعتبر أمانةً في أيدينا للأجيال القادمة ، فلابدّ من المحافظة عليها ، وتسليمها سالمةً كما هيَ ، بعد أن

الصفحه من 306