أمّ المؤمنين الطاهرة خديجة بنت خُويلد - الصفحه 64

مع ما أعلم من صدق حديثك ، وعظم أمانتك ، وحسن خلقك ، وصلة رحمك ، وما ذاك يابن العمّ ؟ لعلّك قد رأيت شيئاً أو سمعته .
فأخبرها أنّه رأى جبرئيل واقفاً بالهواء يقول: ( اقْرَأْ باِسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ) . ۱
فقالت له : ابشر يابن عمّ ، واثبت له ، فوالذي يُحلف به إنّي لأرجو أن تكون نبيّ هذه الاُمّة ، ثمّ قامت فجمعت ثيابها عليها وانطلقت إلى ورقة بن نوفل ، وهو ابن عمّها وكان قد قرأ الكتب والإنجيل وتنصّر ، فأخبرته الخبر ، وقصّت عليه ما قصّه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عليها .
قال ورقة : قُدّوسٌ قُدّوسٌ ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنتِ صدقتني يا خديجة ، لهو نبيّ هذه الاُمّة ، وإنّه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فقولي له ، فليثبتْ ، فرجعتْ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأخبرته الخبر ، فسهل ذلك عليه بعض ما فيه من الهمّ .
فلمّا قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جواره من حِراء بدأ بالكعبة ، فطاف بها فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة ، فقال : يابن أخي خبّرنا بالذي رأيت وسمعت ، فأخبره بذلك ، فقال : إنّك لنبيّ هذه الاُمّة ولتؤذينَّ ولتكذّبنَّ ولتقاتلنَّ ، ولئن أدركتُ ذلك لأنصرك نصراً يعلمه اللَّه .
ثمّ أدنى إليه رأسه فقبّل يافوخه .
ثمّ انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد زاده قولُ ورقة ثباتاً ، وخفّف عنه بعض ما كان فيه من الهمّ ، وقال ورقة لخديجة رضي اللَّه عنها في ذلك : فإن يكُ حقّاً يا خديجةُ فاعلمي
حديثُك إيّانا فأحمدُ مرسَلُ

يفوز به مَنْ فازَ فيها بتوبةٍ
ويشقى به العاتي الغويُّ المضلّلُ

فريقان منهم فرقةٌ في جنانه
وأخرى لترجو أنْ جحيم تغللُ

وقال ورقة بن نوفل في ذلك أيضاً :

ياللرجالِ لصرفِ الدّهر والقَدَرِ
وما لشي ءٍ قضاهُ اللَّهُ من غِيَرِ

أتتْ خديجةُ تدعوني لاُخبرها
وما لها بخفّي الغيب من خَبَرِ

جاءت تسائلني عنه لأُخبرها
أمراً أراه سيأتي الناس في أُخَرِ

بأنّ أحمد يأتيه فأخبره
جبريل أن هو مبعوث إلى البشرِ

فقلتُ علّ الذي ترجين ينجزه
لك الإله فرجّي الخير وانتظري

وأرسليه إلينا كي نسائله
عن أمره ما يرى في النوم والسّهرِ

فقال حين أتانا منطقاً عجباً
يقفّ منه أعالي الجلد والشعَرِ

إنّي رأيت أمين اللَّه واجهني
في صورة أكملت من أهيب الصورِ

ثمّ استمرّ فكاد الخوف يذعرني
ممّا يسلّم من حولي من الشجَرِ

فقلتُ ظنّي وما أدري ليصدقني
أن سوف تُبعث تتلو منزل السُورِ

وسوفَ تأتيك إن أعلنت دعوتهم
من الجهاد بلا مَنٍّ ولانذرِ۲

قال سبط ابن الجوزي : قال هشام بن محمّد : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يودّها ويحترمها ويشاورها في اُموره كلّها ۳ ، وكانت وزير صدقٍ ۴ ، وهي أوّل امرأةٍ

1.الخوارزمي هو الموفّق محمّد بن أحمد المؤيّد بن أبي سعيد إسحاق المؤيّد المكّي الخوارزمي ، كما ذكر ذلك صاحب كتاب الفوائد البهيّة في طبقات الحنفيّة وصاحب التعليقات عليها المطبوعين بمطبعة الخانجي في مصر قالا فيهما : ولد سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وقرأ على أبيه وغيره ، وتوفي في خوارزم سنة ثمان وستّين وخمسمائة أو تسع ، انتهى .(المؤلّف)

2.مقتل الحسين عليه السلام (۱ / ۲۱) ط النجف (المؤلّف)

3.البحار ج ۱۶ /۱۰ ، و ج ۱۹ ص ۳۴۸ وفي رواية في صحيح مسلم : «إنّي قد رُزقت حبّها» فضائلها ، الجامع الصحيح ج ۵ ص ۷۰۲ ، ابن الأثير في جامع الأصول ج ۱ ص ۸۰ حديث ۲۴۳۵ . (الشطري)

4.تراجم سيّدات بيت النبوّة ص ۲۳۱ عن السيرة لابن إسحاق ج ۲ ص ۵۷ وتاريخ الطبري ج ۲ ص ۲۲۹ وعيون الأثر ج ۱ ص ۱۳۰ (الشطري) .

الصفحه من 116