أمّ المؤمنين الطاهرة خديجة بنت خُويلد - الصفحه 85

الوليمة ، فأقام أبو طالب لأهل مكّة وليمة عظيمة ثلاثة أيّام حضرها الحاضر والبادي ، ولمّا تمّ ما صنعته خديجة من معدّات الزواج ، أرسلت إلى أبي طالب تُعلمه بذلك وتطلب منه زفاف محمّد .
فخرج النبيّ صلى الله عليه وآله بين أعمامه وعليه ثياب من قباطي مصر وغلمان بني هاشم بأيديهم الشموع والمصابيح والناس ينظرون إلى النور الإلهي يسطع إلى عنان السماء من غرّته وجبينه ، والعبّاس بن عبد المطّلب بينهم يقول :

يا آلَ فهرٍ وغالبِ
ابْشروا بالمواهبِ

وافخروا ياقومنا
بالثنا والرغائبِ

شاع في الناس فضلكمْ
وعلا في المراتبِ

قد فخرتمْ بأحمدٍ
زينِ كلِّ الأطائبِ

فهوَ كالبدر نورُهُ
مُشرقٌ غيرُ غائبِ

قد ظفرتِ خديجةٌ
بجليلِ المواهبِ

بفتى هاشم الذي
ماله من مُناسبِ

جمع اللَّه شملكمْ
فهو ربُّ المطالبِ

أحمدٌ سيّدُ الورى
خيرُ ماشٍ وراكبِ

فعليه الصلاةُ ما
سار عيسٌ براكبِ

وأحضرت لديه خديجة ، وكانت امرأةً طويلةً عريضةً بيضاءَ ، لم يُر في عصرها ألطف منها ، ولا أحسن ، وعلى رأسها تاجٌ مرصّع بالدرّ والجواهر ، وفي رجليها خلخالانِ من ذهب فيهما فيروزج ، وفي عنقها قلائد من زبرجد وياقوت ، فقالت صفيّة بنت عبد المطّلب :

جاء السرورُ مع الفرحْ
ومضى النّحوسُ مع الترحْ

بمحمّدِ المذكور في
كلّ المفاوزِ والبطحْ

لو أنْ يوازنَ أحمدٌ
بالخلقِ كلّهمُ رجحْ

ولقدْ بدا من فضلهِ
لقريشَ أمرٌ قد وضحْ

تمّ السعودُ لأحمدٍ
والسعدُ عنه ما برحْ

بخديجةٍ بنتِ الكمالِ
وبحرُ نائلها طفحْ

يا حسنَها في حليها
والحلمُ منها ما برحْ

هذا النبيُّ محمّدٌ
ما في مدايحه كلحْ

صلّوا عليه تسعدُوا
واللَّهُ عنكم قد صفحْ

ثمّ أقبلنَ بها رضي اللَّه عنها حتّى أوقفوها بين يدي النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ بعد ذلك أخذوا التاج ورفعوها من رأسها ووضعوها على رأس النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ أتوا بالدفوف ، وهنّ يضربن لها ، وقلن : يا خديجة لقد خُصصتِ هذه الليلة بشي ءٍ ما خصّ به غيركِ ، ولا ناله لسواكِ من قبائل العرب والعجم ، فهنيئاً لكِ بما أوتيتِه ، ووصل إليكِ من العزّ والشرف .
إلى أن قال في البحار : وأقبلت بين يديها صفيّة بنت عبد المطّلب رضي اللَّه عنها وهي تقول شعراً :

أخذَ الشوقُ موثقاتِ الفؤادِ
وألفت السماء بعدَ الرّقادِ

فليالي اللقا بنور التداني
مشرقاتٌ خلافَ طول البعادِ

فُزْتِ بالفخر يا خديجةُ إذ نِلْ
تِ من المصطفى عظيمَ الودادِ

فغدا شكرُهُ على الناس فرضاً
شاملاً كلّ حاضرٍ ثمّ بادِ

كبّرَ الناسُ والملائكُ جمعاً
جبرئيلٌ لدى السماء يُنادي

فُزْتَ يا أحمدٌ بكلّ الأماني
فنحى اللَّه عنك أهل العنادِ

فعليكَ الصلاةُ ما سرت العِيْ
سُ وحَطّت بثقلها في البلادِ

قال : ثمّ بعد ذلك أجلسوها مع النبيّ ، وخرج جميعُ الناس عنها ، وبقي عندها

الصفحه من 116