إثبات صدور الحديث أسبابه و مناهجه - الصفحه 15

رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أحكم برأيي فيكم ، في كذا و كذا ـ وقد كان خطب امرأة منهم في الجاهلية ، فأبوا أن يزوّجوه ـ .
فبعثَ القوم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله يسألونه ، فقال: «كذبَ عدوّ اللّه » ثمّ أرسل رجلاً فقال: «إن أنت وجدته حيّا فاضرب عنقه ، وإن وجدته ميّتا فاحرقه» فوجده قد لُدِغ فمات ، فعند ذلك قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «من كذب عليّ متعمّدا ، فليتبوّأ مقعدَه من النار» ۱ .
وقد عقّب الدكتور صلاح الدين الأدلبي على هاتين الروايتين قائلاً: «وليس في هاتين الروايتين ما يشكّك في صدق الصحابة ، ولا مايطعن في عدالتهم ، إذ كان معهم منافقون ، هم الذين كانت تصدر منهم أعمال النفاق ، فلا يبعد أن يكون أحدهم كذب على لسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ۲ .
أقول: ولكنَّ فيهما ما يثبت أنَّ بعض الذين يسمّون صحابة ، لم يكونوا مؤمنين ، وإنّما كانوا منافقين ، يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ، ذلك أنَّ عنوان «الصحابي» ليس مخصوصا بمن صحب النبيّ بشرط كونه مؤمنا صادقا في إيمانه ، بل إنَّ له مفهوما واسعا يشمل حتى من شاهد النبيّ صلى الله عليه و آله ولو ساعةً واحدةً ، وليس من المعقول إثبات العدالة لجميع هؤلاء ، واتّخاذ جميعهم قدوةً وأسوةً في الدين ، بل لابدّ من تمييز المنافق من المؤمن ، وتحقّق الجرأة على وضع الأحاديث على رسول اللّه صلى الله عليه و آله من وسائل الكشف عن دخيلة المنافق ، وكونه مصداقا لقوله صلى الله عليه و آله : «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» .
ومن المؤسف قول السباعي في تعقيبه على ما ذكره أحمد أمين: إنّه «يكاد يكون بنصّ عبارته مأخوذا من خطبة منسوبة إلى الإمام عليٍّ رضى الله عنه في (نهج

1.مشكل الآثار ، الطحاوي ، احمد بن مُحمّد بن سلامة ، ۱/۱۶۴ ـ ۱۶۵ .

2.منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي ، صلاح الدين الادلبي ، ص ۴۱ .

الصفحه من 45