وَاختَبَرتَ وخُبِرتَ ، فَلَم تَنكَشِف مِن عَواقِبِ قَضاءِ اللّهِ إلّا عَن خِيارٍ ، فَاحضَر هذَا الأَمرَ بِرَأيِكَ ولا تَغِب عَنهُ ! ثُمَّ جَلَسَ .
فَقالَ عُمَرُ : تَكَلَّموا . فَقامَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَإِنّي أرى أن تُشخِصَ أهلَ الشّامِ مِن شامِهِم ، وأهلَ اليَمَنِ مِن يَمَنِهِم ، وتَسيرَ أنتَ في أهلِ هذَينِ الحَرَمَينِ وأهلِ المِصرَينِ الكوفَةَ والبَصرَةَ ، فَتَلقى جَمعَ المُشرِكينَ بِجَمعِ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ لا تَستَبقي مِن نَفسِكَ بَعدَ العَرَبِ بِاقِيَةً ، ولا تَمَتَّعُ مِنَ الدُّنيا بِعَزِيزٍ ، ولا تَلوذُ مِنها بِحَريزٍ ، فَاحضَرهُ بِرَأيِكَ ولا تَغِب عَنهُ ! ثُمَّ جَلَسَ .
فَقالَ عُمَرُ : تَكَلَّموا . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام :
الحَمدُ للّهِِ ـ حَتّى تَمَّ التَّحميدُ وَالثَّناءُ عَلَى اللّهِ والصَّلاةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ـ ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ إن أشخَصتَ أهلَ الشّامِ مِن شامِهِم سارَتِ الرَّومُ إلى ذَراريهِم ، وإن أشخَصتَ أهلَ اليَمَنِ مِن يَمَنِهِم سارَتِ الحَبَشَةُ إلَى ذَراريهِم ، وإن أشخَصتَ مَن بِهذَينِ الحَرَمَينِ انتَقَضَتِ العَرَبُ عَلَيكَ مِن أطرافِها وأكنافِها ، حَتّى يَكونَ ما تَدَعُ وَراءَ ظَهرِكَ مِن عِيالاتِ العَرَبِ أهَمَّ إلَيكَ مِمّا بَينَ يَدَيكَ .
وأمّا ذِكرُكَ كَثرَةَ العَجَمِ ورَهبَتُكَ مِن جُموعِهِم ، فَإِنَّا لَم نَكُن نُقاتِل عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالكَثرَةِ ، وإنَّما كُنّا نُقاتِلُ بِالنَّصرِ ! وأمّا ما بَلَغَكَ مِنِ اجتِماعِهِم عَلَى المَسيرِ إلَى المُسلِمينَ ، فَإِنَّ اللّهَ لِمَسيرِهِم أكرَهُ مِنكَ لِذلِكَ ، وهوَ أولى بِتَغييرِ ما يَكرَهُ ! وإنَّ الأَعاجِمَ إذا نَظَروا إلَيكَ قالوا : هذا رَجُلُ العَرَبِ ، فَإِن قَطَعتُموهُ فَقَد قَطَعتُمُ العَرَبَ ، فَكانَ أشَدَّ لِكَلَبِهِم ، وكُنتُ قَد ألَّبتَهُم ۱ عَلى نَفسِكَ ، وأمَدَّهُم مَن لَم يَكُن يُمِدُّهُم . ولكِنّي أرى أن تُقِرَّ هؤُلاءِ في أمصارِهِم ، وتَكتُبَ إلى أهلِ البَصرَةِ فَليَتَفَرَّقوا