87
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

وَاختَبَرتَ وخُبِرتَ ، فَلَم تَنكَشِف مِن عَواقِبِ قَضاءِ اللّهِ إلّا عَن خِيارٍ ، فَاحضَر هذَا الأَمرَ بِرَأيِكَ ولا تَغِب عَنهُ ! ثُمَّ جَلَسَ .
فَقالَ عُمَرُ : تَكَلَّموا . فَقامَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَإِنّي أرى أن تُشخِصَ أهلَ الشّامِ مِن شامِهِم ، وأهلَ اليَمَنِ مِن يَمَنِهِم ، وتَسيرَ أنتَ في أهلِ هذَينِ الحَرَمَينِ وأهلِ المِصرَينِ الكوفَةَ والبَصرَةَ ، فَتَلقى جَمعَ المُشرِكينَ بِجَمعِ المُؤمِنينَ ، فَإِنَّكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ لا تَستَبقي مِن نَفسِكَ بَعدَ العَرَبِ بِاقِيَةً ، ولا تَمَتَّعُ مِنَ الدُّنيا بِعَزِيزٍ ، ولا تَلوذُ مِنها بِحَريزٍ ، فَاحضَرهُ بِرَأيِكَ ولا تَغِب عَنهُ ! ثُمَّ جَلَسَ .
فَقالَ عُمَرُ : تَكَلَّموا . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام :
الحَمدُ للّهِِ ـ حَتّى تَمَّ التَّحميدُ وَالثَّناءُ عَلَى اللّهِ والصَّلاةُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ـ ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ إن أشخَصتَ أهلَ الشّامِ مِن شامِهِم سارَتِ الرَّومُ إلى ذَراريهِم ، وإن أشخَصتَ أهلَ اليَمَنِ مِن يَمَنِهِم سارَتِ الحَبَشَةُ إلَى ذَراريهِم ، وإن أشخَصتَ مَن بِهذَينِ الحَرَمَينِ انتَقَضَتِ العَرَبُ عَلَيكَ مِن أطرافِها وأكنافِها ، حَتّى يَكونَ ما تَدَعُ وَراءَ ظَهرِكَ مِن عِيالاتِ العَرَبِ أهَمَّ إلَيكَ مِمّا بَينَ يَدَيكَ .
وأمّا ذِكرُكَ كَثرَةَ العَجَمِ ورَهبَتُكَ مِن جُموعِهِم ، فَإِنَّا لَم نَكُن نُقاتِل عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالكَثرَةِ ، وإنَّما كُنّا نُقاتِلُ بِالنَّصرِ ! وأمّا ما بَلَغَكَ مِنِ اجتِماعِهِم عَلَى المَسيرِ إلَى المُسلِمينَ ، فَإِنَّ اللّهَ لِمَسيرِهِم أكرَهُ مِنكَ لِذلِكَ ، وهوَ أولى بِتَغييرِ ما يَكرَهُ ! وإنَّ الأَعاجِمَ إذا نَظَروا إلَيكَ قالوا : هذا رَجُلُ العَرَبِ ، فَإِن قَطَعتُموهُ فَقَد قَطَعتُمُ العَرَبَ ، فَكانَ أشَدَّ لِكَلَبِهِم ، وكُنتُ قَد ألَّبتَهُم ۱ عَلى نَفسِكَ ، وأمَدَّهُم مَن لَم يَكُن يُمِدُّهُم . ولكِنّي أرى أن تُقِرَّ هؤُلاءِ في أمصارِهِم ، وتَكتُبَ إلى أهلِ البَصرَةِ فَليَتَفَرَّقوا

1.التأليب : التحريض (لسان العرب : ج۱ ص۲۱۶) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
86

مَلِكَ العَرَبِ الَّذي جاءَ بِدينِهِم وأخرَجَ كِتابَهُم قَد هَلَكَ ـ يَعنونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ـ وأنَّهُ مَلَكَهُم مِن بَعدِهِ رَجُلٌ مُلكا يَسيرا ثُمَّ هَلَكَ ـ يَعنونَ أبا بَكرٍ ـ وقامَ بَعدَهُ آخَرُ قَد طالَ عُمُرُهُ حَتّى تَناوَلَكُم في بِلادِكُم وأغزاكُم جُنودَهُ ـ يَعنونَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ ـ وأنَّهُ غَيرُ مُنتَهٍ عَنكُم حَتّى تُخرِجوا مَن في بِلادِكُم مِن جُنودِهِ ، وتَخرُجوا إلَيهِ فَتَغزُوَهُ في بِلادِهِ . فَتَعاقَدوا عَلى هذا وتَعاهَدوا عَلَيهِ .
فَلَمَّا انتَهَى الخَبَرُ إلى مَن بِالكوفَةِ مِنَ المُسلِمينَ أنهَوهُ إلى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَلَمَّا انتَهى إلَيهِ الخَبَرُ فَزِعَ عُمَرُ لِذلِكَ فَزَعا شَديدا ، ثُمَّ أتى مَسجِدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَصَعِدَ المِنبَرَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : مَعاشِرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ! إنَّ الشَّيطانَ قَد جَمَعَ لَكُم جُموعا ، وأقبَلَ بِها لِيُطفِئَ نورَ اللّهِ ، ألا إنَّ أهلَ هَمَذانَ وأهلَ أصفَهانَ وَالرَّيِّ وقومِسَ ونُهاوَندَ مُختَلِفَةٌ ألسِنَتُها وألوانُها وأديانُها ، قَد تَعاهَدوا وتَعاقَدوا أن يُخرِجوا مِن بِلادِهِم إخوانَكُم مِنَ المُسلِمينَ ، ويَخرُجوا إلَيكُم فَيَغزُوَكُم في بِلادِكُم ، فَأَشيروا عَلَيَّ وأوجِزوا ولا تُطنِبوا فِي القَولِ ، فَإِنَّ هذا يَومٌ لَهُ ما بَعدَهُ مِنَ الأَيّامِ .
فَتَكَلَّموا ، فَقامَ طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ـ وكانَ مِن خُطَباءِ قُرَيشٍ ـ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد حَنَكَتكَ الاُمورُ ، وجَرَّسَتكَ ۱ الدُّهورُ ، وعَجَمَتكَ ۲ البَلايا ، وأحكَمَتكَ التَّجارِبُ ، وأنتَ مُبارَكُ الأَمرِ ، مَيمونُ النَّقيبَةِ ۳ ، قَد وَليتَ فخَبَرتَ ،

1.أي حَنَكَتْك وأحْكَمتْك ، وجَعلتْك خبيرا بالاُمور مُجرّبا (النهاية : ج۱ ص۲۶۱) .

2.أي خَبَرتْك؛ من العَجْم: العَضِّ. يقال: عَجَمْتُ العُودَ؛ إذا عَضَضْتَه لتنظُر أصُلْبٌ هو أم رِخْوٌ (النهاية : ج۳ ص۱۸۸) .

3.أي مُنَجَّحُ الفِعال ، مُظَفَّر المَطالِب . والنَّقيبة : النَّفْس . وقيل : الطَّبيعة والخَليقة (النهاية : ج۵ ص۱۰۲) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 177147
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي