565
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

في حديث عبداللّه بن سنان ۱

(لا تُدْركُه الأبصارُ ...) .
الإدراك : الوصول إلى الشيء ، فإذا كانت الأبصار بمعنى العيون هنا ، فُهم منه أنّ رؤيته ليست مُحالة في نفسها ، بل الأبصار عاجزة عنها ، وليس كذلك ؛ لأنّ الرؤية محالة في نفسها ، فتعيّن أنّ المراد بإدراك الأبصار «إحاطة الوهم» ، والإدراك بهذا المعنى ليس بممتنع في نفسه ، بل بالنسبة إلى أوهام المخلوقات .
والحاصل أنّ كونه مبصَرا مُحال في نفسه ، وكونه مدركا ممتنع بالنسبة إلى أوهام المخلوقين ، لا مطلقا ؛ لأنّه لم يحصل لشيء .

في كلام هشام بن الحَكَم ۲

وإنّما أتى به تفسيرا لقوله عليه السلام : «لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر» . ۳ أو لأنّ كلام هشام مأخوذ من كلامه عليه السلام ، وإن لم ينسبه إليه .
قوله : (كالناظر في المِرآةِ) .
أي كالناظر في المرآة ليرى ماوراءها ، وإلاّ فالمرآة تُرى ، فوجه عدم رؤية ماوراءها ـ كما قرّره ـ أنّ ماوراء المرآة لاصق بالمرآة لا يتخلّل بينه وبينها هواء أصلاً ، وإلاّ لم تكن مرآة وارَتْ ماوراءها ، ومعنى كون الهواء سببا وكونه متّصلاً بين الرائي والمرئيّ أن يكون متّصلاً بالرائي والمرئيّ ، وأن لا يحول بينهما جسم كثيف ،
وإلاّ فإن حال جسم لطيف غير متّصل اتّصالاً يمنع دخول الهواء بين ذلك الجسم وأحدهما ، فالرؤية ليست بممتنعة ، فإن منع امتنعت الرؤية كالغشاوة التي تغشي الناظر ، فإنّها لو لم تكن متّصلة به هذا الاتّصالَ ، لما منعت الإبصارَ .
يؤيّد هذا قوله تعالى : « خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَ عَلَى أَبْصَـارِهِمْ غِشَـاوَةٌ»۴ على قراءة من قرأ بالنصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة، حيث قال: «ختم»، ولم يقل: «جعل» ؛ لأنّ الجعل قد لا يمنع من الرؤية ؛ لأنّه أعمّ، فالدليل على استحالة رؤيته عدم اتّصال الهواء به كما هو متّصل بالرائي ؛ لأنّه لو كان متّصلاً به لَزِمَ أن يكونَ كالمخلوق في كونه محدودا منتهيا ؛ فيلزم التشبيه ، كما دلّ عليه الحديث السابق ، وقوله في آخر هذا الكلام : (تَعالَى اللّه ُ أنْ يُشْبِهَهُ شيءٌ۵) ، فليتأمّل .
والتمثيل بالناظر في المرآة للدلالة على أنّه لابدّ أن يكون الهواء متّصلاً بالرائي والمرئيّ .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۹۸ ، ح۹ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۹۹ ، ح۱۲ .

3.الكافي ، ج۱ ، ص۹۷ ، ح۴ .

4.البقرة (۲) : ۷ .

5.في الكافي المطبوع : «خَلْقُه» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
564

في حديث عاصم بن حُمَيد ۱

قوله : عليه السلام : (الشمس [جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي] ...) .
لو حمل الرؤية في كلام الراوي على رؤية اللّه ، فلا يخلو من إشكال بحسب الظاهر ؛ لأنّه يظهر منه على هذا التقدير أنّ المانع من رؤيته عدم تمكّن البصر منها ؛ لأنّه كما لا يتمكّن من رؤية الشمس لكثرة نورها ومنع شعاعها تمكّنَ البصر منها ، مع أنّ نورها ضعيف جدّا بالنسبة إلى غيرها من المخلوقات المذكورة ، لا يتمكّن من النظر إلى الخالق ؛ لأنّ نوره أعظم من نور المخلوق ، ويلزم من هذا كون الخالق يشبه المخلوق في أنّ له نورا كنوره يمنع البصر من رؤيته ، وهو باطل إلاّ على تقدير مجاراة الخصم .
فالتقدير أنّه لو سلّمنا ما يقولون أنّه كذلك ، لا يمكن رؤيته أيضا للعلّة المذكورة .
ويحتمل أن يكون المراد بالرؤية رؤية نور الستر ، كما هو ظاهر الحديث ، وحينئذٍ فلا إشكال ؛ واللّه أعلم .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۹۸ ، ح۷ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 86942
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي