47
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

لم يقتصروا على الارتباط بها بعقولهم وأفكارهم ومعارفهم وعقائدهم فحسب ، بل لقد ارتبطوا بها مصيريا ارتباطا وثيقا فكانوا ينجرّون حيث يجرّونهم .
لقد كان الإمام علي عليه السلام يسير في قوم أبوا أن يفهموا أو أعوزهم إمكان الفهم بأنّ الشخصيات التي كانوا يوالونها عرضة للخطأ كغيرهم ، فلم تساعدهم عقولهم على أن يفهموا أنّ من الممكن أن تشتبه الاُمور على طلحة والزبير أيضا ، وأن مقدّسي النهروان ليسوا معصومين من الخطأ كذلك .
وكانت الأوضاع الاجتماعية آنذاك إلى درجةٍ من الغموض والالتباس حتّى أنّ البعض لم يحتمل أن يكون معاوية على خطأ!!
ففي معركة الجمل وجّه أحد أصحاب الإمام وهو الحارث بن حوط إلى الإمام عليه السلام سؤالاً ، إنْ دلَّ فإنّما يدلُّ على المستوى الفكري للمسلمين آنذاك ، وذلك عندما رأى عائشة (اُمّ المؤمنين) في تلك الحرب على رأس الجيش المضادّ ، وشخصيات ذات سابقة في الإسلام ، مثل طلحة بل والزبير الذي يفوقه بماضيه ، حتّى لقد كان من المتحصّنين أثناء قضية السقيفة ببيت علي عليه السلام ، يرى في اُولئك الصحابة ممّن يضربون بسيوفهم عن ركاب (اُمّ المؤمنين) لم يستطع أن يتصوّر أنّ هذه الشخصيات البارزة في الإسلام على ضلالة في قتالها ضدّ علي عليه السلام ، فقد جاء إلى الإمام وقال :
يا أميرالمؤمنين ، ما أرى طلحة والزبير وعائشة احتَجّوا إلّا على حقّ!!۱
وفي رواية اُخرى : إنّ الحارث عندما جاء إلى الإمام قال له :
أتراني أظنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟!۲

1.الأمالي للطوسي : ص ۱۳۴ ص ۲۱۶ ، نهج السعادة : ج ۱ ص ۲۹۸ وفيه «اجتمعوا» بدل «احتجّوا» .

2.نهج البلاغة : الحكمة ۲۶۲ ، بحار الأنوار : ج ۳۲ ص ۲۴۴ ح ۱۹۲ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
46

وهذا التصنيف الذي صنّفه الإمام عليه السلام لأفراد المجتمع ، هو ما رُوي عن النبي صلى الله عليه و آله ، اللهمَّ إلّا مِن فارق أنّ ما تحدث به الرسول صلى الله عليه و آله كان في صيغة الأمر ، وأمّا ما قاله الإمام علي عليه السلام فجاء في صورة الخبر ، فالرسول الأكرم يأمر المسلم بأن يكون عالما أو متعلّما ولا يجيز له أن يكون إمَّعة ، وأمّا الإمام علي عليه السلام فقد أخبر بأنّ المسلمين في زمانه ثلاثة : عالِمٌ ربّاني ، ومتعلمٌ على سبيل النجاة ، وهمج رعاع ، والمقصود من «همج رعاع» في كلام الإمام هو صنف الإمَّعة في حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، أي الذين لا يستقلّون بأفكارهم وعقائدهم عن التقليد والتذيُّل للآخرين في عقائدهم؛ ومن ثَمَّ كانوا أخطر الأعداء لحكومة الحقّ والعدالة . ۱
فالذي كان يؤلم الإمام علي عليه السلام هو أنّ غالبية الناس في عصره كانوا من المجموعة الثالثة ، كانوا من قبيل «الإمَّعة» ، كانوا إمَّعين «همجا رعاعا» يفتقرون إلى الاستقلال الفكري والعقائدي ، ويميلون مع الريح حيث تميل!!
وأمّا المتعلّمون على سبيل نجاة فهمُ القليلون ، وعلى حدّ وصف الإمام علي عليه السلام لهم في حديثه مع كميل بن زياد النخعي : أنهم لا يستغلّون العلم ، ولا يستعملون آلة الدين للدنيا ، ولا ينقدح الشّكّ في قلوبهم لأول عارضٍ من شبهة ، ولاهم منهومون باللّذة ، ولا سلسو القياد للشهوة أو مُغرَمون بجمع المال وادّخاره .
وأمّا المتعلمون على سبيل النجاة الذين هم قليلون ، فهم العلماء الربّانيون الذين وصفهم الإمام في آخر كلامه لكميل بقوله :
اُولئِكَ وَاللّهِ الأَقَلّونَ عَدَداً .
وهكذا نشاهد أنّ الإمام كانت ترافقه في الطريق اُناس لا هُم من أهل التمييز ولا هُم من أهل التحقيق، أي : لا هم علماء ولا هم متعلّمون . اُناسٌ تبع لشخصيات،

1.راجع : ص ۳۱ «التقليد في العقائد من وجهة نظر الإسلام» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 242704
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي