13
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2

قيمتها أن تكون في خدمة الإنسان ، ولا يمكنها أن تصبّ في خدمته إذا جُرّدت من جوهر العلم ، بل إنّها ربّما استخدمت ضدّ الإنسان .
النقطة المهمّة اللافتة للنظر هي أنّ العلم عندما يفقد جوهره وخاصّيّته ، فلا يساوي الجهل فحسب ، بل يصبح أشدّ ضررا منه ؛ إذ يعجّل في حركة الإنسان نحو السقوط والانحطاط .
إذا فقد العلم جوهره واتّجاهه الحقيقيّ ، فإنّه يُصبح كالدليل الذي يسوق المرء إلى هاوية الضلال ، بدل أن يهديه إلى سواء السبيل ، من هنا كلّما تقدّم العلم ، كان خطره أكبر على المجتمع الإنسانيّ .
إنّ الخطر الكبير الذي يهدّد المجتمع البشري اليوم هو أنّ العلم قد ارتقى كثيرا ، بَيْد أنّه فقد جوهره وخاصّيته واتّجاهه السديد ، واستُخدم باتّجاه انحطاط الإنسانيّة وسقوطها .
ويمكن أن ندرك بتأمّلٍ يسيرٍ ، الآفات التي فرضها العلم على المجتمع البشريّ في واقعنا المعاصر ، ونفهم ماذا تجرّع الإنسان من ويلات حين قبضت القوى الكبرى على سلاح العلم ، ونعرف كيف تعاملَ الناهبون ـ الذين استغلّوا العلم لسلب الإنسان مادّيّا ومعنويّا ـ بقسوةٍ ، ولا يرحمون أحدا .
قال برشت «الإنسان المعاصر متنفّر من العلم ؛ لأنّ العلم هو الذي أوجد الفاشيّة وفرضها على البشريّة ، والعلم هو الذي وسّع رقعة الجوع لأوّل مرّة ، بحيث غدا اثنان ـ من كلّ ثلاثة في العالم ـ جياعا ۱ .
هل يمكن أن نسمّي وسائل النهب ، والجوع ، والقتل ، والفساد علما !

1.تاريخ و شناخت اديان (بالفارسية) : ص ۳۴ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2
12

وبعبارة اُخرى :
«هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»۱ ؟ !
قال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن هذا النور وأهمّ خواصّه التي هي إيصال الإنسان إلى المقصد الأعلى للإنسانيّة «في وصف السالك الطريق إلى اللّه » :
«قَد أحيا عَقلَهُ ، وأماتَ نَفسَهُ ، حَتّى دَقَّ جَليلُهُ ، ولَطُفَ غَليظُهُ ، وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كَثيرُ البَرقِ ، فَأبانَ لَهُ الطَّريقَ ، وسَلَكَ بِهِ السَّبيلَ ، وتَدافَعَتهُ الأبوابُ إلى بابِ السَّلامَةِ ، ودارِ الإقامَةِ ، وثَبَتَت رِجلاهُ بِطُمَأنينةِ بَدَنِهِ في قَرارِ الأمنِ وَالرّاحَةِ ، بِمَا استَعمَلَ قَلبَهُ ، وأرضى رَبَّهُ»۲.
إنّ الآيات والأحاديث التي تعدّ نورانيّة الإنسان مقدّمة لحركته الصحيحة في المجتمع تلقاء الكمال المطلق ، أو تفسّر العلم بالنور ، أو ترى أنّ العلم ملازم للإيمان باللّه ورسالة الأنبياء ، مقترنا بالصفات المرضيّة والأعمال الصالحة ، إنّما توضّح في الحقيقة جوهر العلم وحقيقته .
ودليلنا على أنّ هذا النور هو لبّ العلم ، وجميع العلوم الرسميّة قشرٌ له ، هو أنّ قيمة العلوم المذكورة مرتبطة به .
إنّ جوهر العلم هو الذي يهب العلم قيمة حقيقيّة ، أي يجعله في خدمة الإنسان وتكامله وسعادته ، وبغيره لا يفقد العلم مزاياه وآثاره فحسب ، بل يتحوّل إلى عنصر مضادّ للقيم الإنسانيّة .
ولهذا نقول إنّ قيمة جوهر العلم مطلقة ، وقيمة العلوم الرسميّة مشروطة ، وشرط

1.الزمر: ۹.

2.نهج البلاغة : الخطبة ۲۲۰ ، بحارالأنوار : ج ۶۹ ص ۳۱۶ ح ۳۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2
    المساعدون :
    برنجکار، رضا؛المسعودي، عبدالهادي
    المجلدات :
    5
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 107898
الصفحه من 511
طباعه  ارسل الي