209
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2

أمّا أبو جهل فلم يُذعِن للحقّ حتّى عند الموت ، لذا عندما مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على القتلى بعد معركة بدر ووصل إلى جسد أبي جهل ، قال : «إنَّ هذا أعتى عَلَى اللّهِ مِن فِرعَونَ ، إنَّ فِرعَونَ لَمّا أيقَنَ بِالهَلاكِ وَحَّدَ اللّهَ ، وإنَّ هذا لَمّا أيقَنَ بِالهَلاكِ دَعا بِاللّاتِ وَالعُزّى».۱
إنّ الّذين لا يُفيقون من مواعظ الأنبياء وتحذيرهم ، ولا يؤثّر فيهم سوط البلاء ، بل سوط عذاب الاستئصال أيضا ، فإنّ سوط الموت يوقظهم ويزيل حُجُب الغفلة وحواجز المعرفة عن بصائرهم ، أجَل «النّاسُ نِيامٌ فَإِذا ماتُوا انتَبَهوا»۲.
قال تعالى مخاطبا المجرمين المتعصّبين ، الّذين نبّههم سوط الموت ، في عرصات القيامة :
«لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَـاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ»۳ .
اللّهمّ وفّقنا أن نتّعظ بمواعظ الأنبياء وأئمّة الهدى قبل أن يَعِظنا سوط الموت .

1.الأمالي للطوسي : ص ۳۱۰ ح ۶۲۶ ، بحارالأنوار : ج ۱۹ ص ۲۷۳ ح ۱۱ .

2.خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص ۱۱۲، عوالي اللآلي: ج ۴ ص ۷۳ ح ۴۸ ؛ المناقب للخوارزمي : ص ۳۷۵ ح ۳۹۵ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۳۶۶ ح ۱۶۷۳ .

3.ق : ۲۲ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2
208

وليس للموعظة ولسوط البلاء أن يجلوا الصّدأ عن قلوب هؤلاء المرضى المتعصّبين ، بل ليس لإعجاز أيّ نبيٍّ أن يعالج مرضهم . لذا قال عيسى عليه السلام :
«داوَيتُ المَرضى فَشَفَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ ، وأبرَأتُ الأَكمَهَ والأَبرَصَ بِإِذنِ اللّهِ ، وعالَجتُ المَوتى فَأَحيَيتُهُم بِإِذنِ اللّهِ . وعالَجتُ الأحمَقَ فَلَم أقدِر عَلى إصلاحِهِ ! فَقيلَ : يا روحَ اللّهِ ، ومَا الأَحمَقُ ؟ قالَ : المُعجَبُ بِرَأيِهِ ونَفسِهِ ، الَّذي يَرَى الفَضلَ كُلَّهُ لَهُ لا عَلَيهِ ويوجِبُ الحَقَّ كُلَّهُ لِنَفسِهِ ولا يوجِبُ عَلَيها حَقَّا ، فَذاكَ الأَحمَقُ الَّذي لا حيلَةَ في مُداواتِهِ»۱.
ويمكن أن نقسّم المتعصّبين المعاندين الّذين لا يتسنّى زوال الحُجُب عنهم إلى قسمين :
الأوّل : الّذين يتنبّهون ويعترفون بالحقّ إذا نزل بهم عذاب الاستئصال ، أي البلاء الّذي يعقبه الموت والهلاك .
الثّاني : الّذين لا يتنبّهون ولا يؤثّر فيهم عذاب الاستئصال .
كان فرعون من القسم الأوّل وأبو جهل من القسم الثّاني ، لقد مُني فرعون وأتباعه بالتّعصّب والكِبر واللَّجاجة ، وبعامّة بحجب المعرفة ، بحيث لم تنبّههم مواعظ موسى عليه السلام ۲ ، ولا معجزاته لإثبات نبوّته ۳ الّتي حلّت بهم نتيجة مخالفتهم للحقّ ، بَيْد أنّ سوط «عذاب الاستئصال» أرغم فرعون على الاعتراف بالحقّ : «إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَ ءِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»۴ !

1.الاختصاص: ص ۲۲۱ عن أبي الربيع الشامي عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحارالأنوار : ج ۱۴ ص ۳۲۳ ح ۳۶ وراجع : ص ۱۷۸ «العُجب» .

2. ، ولا احتجاجاته لإثبات التوحيد

3. ، ولا البلايا والمشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة . النازعات: ۱۸ و ۱۹، طه: ۴۳ و ۴۴ ، طه : ۴۹ و ۵۰ ، الإسراء: ۱۰۱، الأعراف : ۱۳۰ و ۱۳۳.

4.يونس: ۹۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2
    المساعدون :
    برنجکار، رضا؛المسعودي، عبدالهادي
    المجلدات :
    5
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 105744
الصفحه من 511
طباعه  ارسل الي