والاحتمال الآخر في تبيين الأحاديث الواردة في ترجيح العلم على العبادة هو النظر إلى العلم والعبادة بذاتهما وبدون الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الفقهيّة الخمسة ، أي : العلم ذاتا مقدَّم على العبادة ، ويمكن أن تكون لهذا التقدّم أسباب متنوّعة ، منها أنّ العبادة متعذّرة بغير العلم .
2 . الدور البنّاء للعبادة إلى جانب العلم
مضت الإشارة في الفصول المتقدّمة إلى الدور الأساسيّ البنّاء للعبادات في ظهور نور العلم والإلهامات القلبيّة ۱ ، وتمّ تأكيد أنّ جوهر العلم لا يستديم في وجود الإنسان بلا عمل ۲ . من هنا ، فإنّ الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة لا تهدف إلى إضعاف الدور البنّاء للعبادة إلى جانب العلم أو إنكاره ، بل تؤكّد ضرورة تقارنهما وتُحذّر من العبادات الجاهلة . وسيأتي في القسم السابع أنّ العبادة بلا علم لا قيمة لها ، بل هي مدعاة للخطر ۳ .
من هذا المنطلق لا يمكن أن تُتّخذ أحاديث هذا الفصل ذريعة لترك العبادات ، حتّى المستحبّة منها ، نُقل أنّ شخصا سأل المحقّق الكبير الشيخ الأنصاريّ رضوان اللّه تعالى عليه عن التعارض بين صلاة الليل والمطالعات العلميّة : أيّهما مقدّمة على الأُخرى وكان الشيخ يعلم أنّ السائل من هواة النارجيلة ، وأنّ سؤاله ذريعة لترك نافلة الليل ، فأجابه قائلاً : لِمَ تُوجِد تعارضا بين صلاة الليل والمطالعة ! قل : أيّهما تتقدّم على الاُخرى : المطالعة أو النّارجيلة .