361
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2

واعلم أنّ قول العالم: «لا أدري» لا يضع منزلته ، بل يزيدها رفعة ويزيده في قلوب الناس عظمة ، تفضّلًا من اللّه تعالى عليه ، وتعويضا له بالتزامه الحقّ ، وهو دليل واضح على عظمة محلّه وتقواه وكمال معرفته . ولا يقدح في المعرفة الجهل بمسائل معدودة.
وإنّما يستدلّ بقوله: «لا أدري» على تقواه ، وأنّه لا يجازف في فتواه ، وأنّ المسألة من مشكلات المسائل . وإنّما يمتنع مِن «لا أدري» من قلّ علمه وعدمت تقواه وديانته ؛ لأنّه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الناس ، وهذه جهالة اُخرى منه؛ فإنّه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلم يبوء بالإثم العظيم ، ولا يصرفه عمّا عرف به من القصور ، بل يستدلّ به على قصوره ، ويظهر اللّه تعالى عليه ذلك بسبب جرأته على التقوّل في الدين ، تصديقا لما ورد في الحديث القدسيّ:
مَن أفسَدَ جَوّانيّه أفسَدَ اللّهُ بَرّانيّه .۱
ومن المعلوم أ نّه إذا رؤي المحققون يقولون في كثير من الأوقات: «لا أدري» ، وهذا المسكين لا يقولها أبدا ، يعلم أنّهم يتورّعون لدينهم وتقواهم، وأنّه يجازف لجهله وقلة دينه ، فيقع فيما فرّ منه ، واتّصف بما احترز عنه لفساد نيّته وسوء طويّته . وقد قال النبيُّ صلى الله عليه و آله :
المُتَشبّعُ بِما لَم يُعطَ كَلابسِ ثَوبَي زُورٍ .۲
وقد أدّب اللّه تعالى العلماء بقصّة موسى والخضر عليهماالسلامحين لم يردّ موسى عليه السلام العلم

1.في مشكاة الأنوار: ص ۵۵۴ ح ۱۸۷۰ «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما من عبد إلّا وله جوّاني وبرّانيّ ، فمن أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه ، ومن أفسد جوّانيّه أفسد اللّه عليه برّانيّه...» .

2.صحيح البخاري : ج ۵ ص ۲۰۰۱ ح ۴۹۲۱ ، صحيح مسلم : ج ۳ ص ۱۶۸۱ ح ۱۲۷ ، سنن أبي داود : ج ۴ ص۳۰۰ ح ۴۹۹۷ كلّها عن أسماء ، كنزالعمّال : ج ۳ ص ۴۷۵ ح ۷۵۰۰ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2
360

إنَّ الرَّجُلَ لَيُسرِعُ بِالآيَةِ ۱ مِنَ القُرآنِ يَخِرُّ فيها أبعَدَ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ ۲ .
وعن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام : ما حقُّ اللّه على العباد قال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لايعلمون ۳ .
وعن الصادق عليه السلام : إنَّ اللّه خص عباده بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لم يعلموا ، قال اللّه عز و جل: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَـقُ الْكِتَـبِ أَن لَايَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَا الْحَقَّ»۴ وقال: «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ»۵ . ۶
وعن ابن عبّاس: إذا ترك العالمُ «لا أدري» اُصيبت مقاتله ۷ .
وعن ابن مسعود: إذا سُئل أحدكم عما لا يدري ، فليقل: لا أدري ؛ فإنّه ثلث العلم .
وقال آخر: «لا أدري» ثلث العلم.
وقال بعضُ الفضلاء: ينبغي للعالم أن يورّث أصحابه «لا أدري» . ومعناه أن يكثر منها لتسهل عليهم ويعتادوها ، فيستعملوها في وقت الحاجة.
وقال آخر: تعلّم «لا أدري» فإنّك إن قلت: لا أدري ، علّموك حتّى تدري ، وإن قلت: أدري ، سألوك حتّى لا تدري.

1.في الكافي : «لَيَنتزع الآية» .

2.الكافي: ج ۱ ص ۴۲ ح ۴ ، بحارالأنوار: ج ۲ ص ۱۱۹ ح ۲۵ نقلاً عن المحاسن وكلاهما عن زياد بن أبي رجاء .

3.الكافي: ج ۱ ص ۴۳ ح ۷ ، الأمالي للصدوق : ص ۵۰۶ ح ۷۰۱ ، بحارالأنوار: ج ۲ ص ۱۱۳ ح ۲ .

4.الأعراف: ۱۶۹.

5.يونس: ۳۹.

6.الكافي : ج ۱ ص ۴۳ ح ۸ ، الأمالي للصدوق : ص ۵۰۶ ح ۷۰۲ وفيه «عيّر» بدل «خصّ» ، بحارالأنوار : ج ۲ ص ۱۱۳ ح ۳ .

7.مرّ نحو هذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام ، راجع : ج ۲ ص ۳۶۰ ح ۲۶۷۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج2
    المساعدون :
    برنجکار، رضا؛المسعودي، عبدالهادي
    المجلدات :
    5
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 133366
الصفحه من 511
طباعه  ارسل الي