273
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3

الخافي للعالم أَكثر ممّا تشعّه الشَّمس المحسوسة ، وتُنير ملكوت السَّماوات والأَرض وسرائر المؤمنين . وهذا النور لا يُبيّن طريق السير والسلوك لهم فحسب ، بل يرافقهم حتّى بلوغ الهدف .
بعبارة أُخرى : كما أنّ الشَّمس المحسوسة ـ فضلاً عن إِضاءتها ـ تؤثّر في التكامل المادّي للإنسان تكوينيّا ، فإنّ الشمس المعنويّة للإمام ـ مضافا إلى إِرشادها التشريعيّ ـ تؤثّر في التكامل المعنويّ للإنسان تكوينيّا أَيضا .
إنّ العلّامة الطباطبائيّ ـ رضوان اللّه عليه ـ يقول في هذا الشأن :
«أَطلق القرآن الكريم كلمة الإمام على مَن له درجات القرب ، وكان أَميرا لقافلة أَهل الولاية ، وحافظا لارتباط الإنسانية بهذه الحقيقة ، فالإمام هو الّذي اصطفاه اللّه سبحانه للسير بصراط الولاية قُدما ، وهو الّذي أَمسك بزمام الهداية المعنوية ، وعندما تشعُّ الولاية في قلوب العباد فإنّها أَشعة وخطوط ضوئيّة من منبع النور الّذي عنده ، والمواهب المتفرّقة روافد متصلة ببحره اللامتناهي»۱.
«وبالجمله فالإمام هادٍ يهدي بأَمر ملكوتيّ يصاحبه ، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للنَّاس في أَعمالهم ، وهدايتها إيصالها إيّاهم إلى المطلوب بأَمر اللّه دون مجرّد إراءة الطريق الذي هو شأَن النبيّ والرسول وكلّ مؤمن يهدي إلى اللّه سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة»۲.

بكلام آخر : إِنّ الهداية الباطنيّة النورانيّة التي تتهيّأ للإنسان إِثر قيامه بالواجبات الإلهيّة تُفاض عليه بواسطة الإنسان الكامل والإمام ۳ ، من هنا ، لا تفعل الأَعمال الصالحة في تكامل الإنسان فعلها بلاصلة معنويّة به ، ولهذا عُدَّت ولاية أَهل البيت

1.خلافت وولايت (بالفارسية) : ص ۳۸۰ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ج ۱ ص ۲۷۲ .

3.لمزيد من التوضيح راجع : القيادة في الإسلام : ص ۷۳ (القيادة الباطنيّة) .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
272

«بِمُوالاتِكُم عَلَّمَنَا اللّهُ مَعالِمَ دينِنا»۱.

2 . تأثير أَهل البيت في الهداية الباطنيّة للإنسان

إنّ دراسة دقيقة للنصوص الإسلاميّة المأثورة في الإمامة والقيادة تدلّ على أنّ تأثير أَهل البيت ، وبعامّة الكُمَّل في كلّ عصر الذين يسمّون الأَئمّة في هداية النَّاس هو أَكثر من إِراءة الطريق إِلى الكمال المطلق ، بل يضاف إلى الهداية العامّة ، إنّ الإمام يرافقُ المستعدّين ويمدّهم في قطع الطريق وبلوغ الهدف أَيضا ، أَي : إنّ نفوس أُولئك المستعدّين تتربّى بقبس الأَنوار الباطنيّة للإمام تكوينيّا ، وتسير صوب الكمال المطلق .
لقد نقل المرحوم الكلينيّ ـ رضوان اللّه عليه ـ في باب «الأئمّة نور اللّه » من كتابه الجليل «الكافي» ستّ روايات فُسّرت فيها كلمة «النور» في عدد من الآيات القرآنيّة بأَئمّة أَهل البيت ، منها رواية نقلها أَبو خالد الكابليّ ، فقال : سأَلت أَبا جعفر [ الإمام الباقر عليه السلام ]عن قوله تعالى : «فَـئامِنُواْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا»۲ فقال :
«النّورُ وَاللّهِ الأَئِمَّةُ مِن آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إِلى يَومِ القِيامَةِ ، وهُم وَاللّهِ نورُ اللّهِ الَّذي أُنزِلَ ، وهُم وَاللّهِ نورُ اللّهِ فِي السَّماواتِ وفِي الأَرضِ ، وَاللّهِ يا أبا خالِدٍ لَنورُ الإِمامِ في قُلوبِ المُؤمِنينَ أنوَرُ مِنَ الشَّمسِ المُضيئَةِ بِالنَّهارِ؛ وهُم وَاللّهِ يُنَوِّرونَ قُلوبَ المُؤمِنينَ ، ويَحجُبُ اللّهُ عز و جل نورَهُم عَمَّن يَشاءُ فَتُظلِمُ قُلوبُهُم؛ وَاللّهِ يا أبا خالِدٍ لا يُحِبُّنا عَبدٌ ويَتَوَلّانا حَتّى يُطَهِّرَ اللّهُ قَلبَهُ ...»۳.
فمن وحي هذا الكلام نعرف أنّ الإمام كالشَّمس الساطعة تشعُّ على الباطن

1.تهذيب : الأحكام : ج ۶ ص ۱۰۰ ح ۱۷۷ ؛ كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۶۱۶ ح ۳۲۱۳ كلاهما عن موسى بن عبداللّه النخعيّ .

2.التغابن : ۸ .

3.الكافي : ج ۱ ص ۱۹۴ ح ۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 109256
الصفحه من 488
طباعه  ارسل الي