وقد يصحّ أن يكون اللّه تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه بأ نَّه يؤمن عند خلقه كفّار ، أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء ، وذلك يغيّب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللّه تعالى إنّما صنعه لأغراض حكميّة ، ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبّدنا بالصلاة لأ نّها تقرّبنا من طاعته وتبعّدنا عن معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافّة المتعبّدين بها أو لبعضهم .
فلمّا خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنّا ولم يقع دليل علَى التفصيل فيها ـ وإن كان العلم بأ نَّها حكمة في الجملة ـ كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنّما هو عن طلب علل لها مفصَّلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنَى القضاء والقدر.
هذا إن سلمت الأخبار الّتي رواها أبو جعفر رحمه اللّه ، فأمّا إن بطلت أو اختلّ سندها فقد سقط عنّا عهدة الكلام فيها . والحديث الّذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ، والمعنى فيه ظاهر ليس به علَى العقلاء خفاء ، وهو مؤيّد للقول بالعدل ، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبداللّه عليه السلام من قوله : إذا حَشَرَ اللّهُ تعالى الخَلائقَ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ولم يَسألْهم عَمّا قَضى علَيهِم . وقد نطق القرآن بأنّ الخلق مسؤولون عن أعمالهم» . ۱
راجع : ص 86 (النهي عن البحث عن سرّ القدر) .