109
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

وقد يصحّ أن يكون اللّه تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه بأ نَّه يؤمن عند خلقه كفّار ، أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء ، وذلك يغيّب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللّه تعالى إنّما صنعه لأغراض حكميّة ، ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبّدنا بالصلاة لأ نّها تقرّبنا من طاعته وتبعّدنا عن معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافّة المتعبّدين بها أو لبعضهم .
فلمّا خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنّا ولم يقع دليل علَى التفصيل فيها ـ وإن كان العلم بأ نَّها حكمة في الجملة ـ كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنّما هو عن طلب علل لها مفصَّلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنَى القضاء والقدر.
هذا إن سلمت الأخبار الّتي رواها أبو جعفر رحمه اللّه ، فأمّا إن بطلت أو اختلّ سندها فقد سقط عنّا عهدة الكلام فيها . والحديث الّذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ، والمعنى فيه ظاهر ليس به علَى العقلاء خفاء ، وهو مؤيّد للقول بالعدل ، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبداللّه عليه السلام من قوله : إذا حَشَرَ اللّهُ تعالى الخَلائقَ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ولم يَسألْهم عَمّا قَضى علَيهِم . وقد نطق القرآن بأنّ الخلق مسؤولون عن أعمالهم» . ۱

راجع : ص 86 (النهي عن البحث عن سرّ القدر) .

1.بحار الأنوار : ج ۵ ص ۹۷ ـ ۱۰۱ ح ۲۲ ـ ۲۴ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
108

وجهين :
أحدهما : أن يكون النهي خاصّا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلّهم عن الدين ولا يصلحهم إلّا الإمساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عامّا لكافّة المكلّفين ، وقد يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون ، فدبّر الأئمّة عليهم السلام أشياعهم في الدِّين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه .
والوجه الآخر : أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق اللّه تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به وتعبّد ، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والأمر محظورا ، لأنّ اللّه تعالى سترها من أكثر خلقه ، ألا ترى أ نّه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللاً مفصّلات ، فيقول : لِمَ خَلَق كذا وكذا ؟ حتّى يعدّ المخلوقات كلّها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا وتعبّد بكذا ونهى عن كذا ؟ إذ تعبّده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ، ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق وأمر به وتعبّد ، وإن كان قد أعلم في الجملة أ نّه لم يخلق الخلق عبثا ، وإنّما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودلّ على ذلك بالعقل والسّمع ، فقال سبحانه : «وما خَلَقْنا السَّماءَ والأَرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ»۱ وقال : «أفَحَسِبْتُم أ نّما خَلَقناكُم عَبَثا»۲ وقال : «إنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ»۳ يعني بحقّ ووضعناه في موضعه ، وقال : «وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلّا لِيَعبُدونِ»۴ وقال فيما تعبّد : «لَن يَنالَ اللّهَ لُحُومُها ولا دِماؤها ولكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم» . ۵

1.الأنبياء : ۱۶.

2.المؤمنون : ۱۱۵.

3.القمر : ۴۹.

4.الذاريات : ۵۶.

5.الحجّ : ۳۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 140071
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي