15
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

على تشخيصهما وإنما يتمّ تشخيصهما عن طريق الشرع . يفسّر الفخر الرازي العدالة الإلهية قائلاً :
أمّا المشايخ فقالوا : العدل هو الّذي له أن يفعل ما يريد، وحكمه ماضٍ في العبيد . ۱
وكتب عبد القاهر البغدادي قائلاً:
اختلف أصحابنا في تحديد العدل من طريق المعنى: فمنهم من قال : هو ما للفاعل أن يفعله... ومنهم من قال: العدل من أفعالنا ما وافق أمر اللّه عز و جل به ، والجور ما وافق نهيه . ۲
وقال الشهرستاني أيضا في هذا المجال :
وأمّا العدل فعلى مذهب أهل السنّة أنّ اللّه تعالى عدل في أفعاله، بمعنى أنّه متصرّف في مُلكه ومِلكه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فالعدل وضع الشيء موضعه، وهو التصرّف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم، والظلم بضدّة، فلا يتصوّر منه جور في الحكم وظلم في التصرّف . ۳
على هذا الأساس، فإنّ صفة العدل تُنْتَزع من أفعال اللّه ـ تعالى ـ وأوامره ونواهيه، ولا يستطيع العقل أن يقضي بشيءٍ معيّنٍ بشأن أفعال اللّه تعالى ، بعبارة اُخرى : كل ما يفعله اللّه فهو عدل وإن كان في نظر العقل ظلما وعلى سبيل المثال فليس من المستقبح على اللّه أن يكلّف الناس بما لا يطيقون، كما ليس هناك مانع من أن يلقي جميع الأنبياء والصالحين في جهنّم ويدخل كلّ معارضيهم في الجنّة!
وأمّا إذا اعتبرنا الحسن والقبح ذاتيّين وكان العقل قادرا على التمييز بينهما ، فإنّ اللّه ـ تعالى ـ لا يقوم بالعمل الّذي يعتبره العقل قبيحا ، مثل التكليف بما لا يُطاق

1.شرح الأسماء الحسنى : ص ۲۴۵.

2.اُصول الدين: ص ۱۳۱.

3.الملل والنحل : ص ۴۲.


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
14

التعريف الثاني :
التعريف الآخر الّذي قُدّم عن العدل الإلهي هو: «رعاية الحقوق وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه» ، وهو في مقابل الظلم بمعنى التعدّي على حقوق الآخرين.
يصرّح الشيخ المفيد مبيّنا العدل الإلهي:
هو الجزاء على العمل بقدر المستحقّ عليه، والظلم هو منع الحقوق ، واللّه تعالى عدل كريم جواد متفضّل رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضّل بعد ذلك بزيادةٍ من عنده . ۱
ومن البديهي أنّ التعريف السابق عامّ وهذا التعريف خاصّ ، وفي الحقيقة فإنّ هذا المعنى مصداق من مصاديق العدل بالمفهوم السابق ، وبالطبع فإنّ المعنى الثاني هو المقصود بشكلٍ رئيسي في مباحث العدل الإلهي .
وعلى أساس هذا التعريف، ينضوي العدل في عرض سائر صفات اللّه تعالى ، وسيكون فضل اللّه منفصلاً عن عدله. ولذلك فإنّ النصوص الّتي تفصّل آثار العدل الإلهي عن آثار فضله ۲ تشير إلى هذا المعنى .

سابعا : العدل الإلهي من وجهة نظر الأشاعرة

إنّ الحسن والقبح ذاتيان من وجهة نظر الإمامية والمعتزلة ، والعقل قادر على تشخصيهما والتمييز بينهما. فالعقل يعتبر العدل حسنا والظلم قبيحا ، والساحة الإلهيّة المقدّسة منزّهة عن ارتكاب الفعل القبيح.
وفي قبال ذلك يقول متكلمو الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح اعتباريان ، والعقل غير قادر

1.تصحيح الاعتقاد : ص ۱۰۳ .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية (معرفة اللّه ) : ج ۵ ص ۱۱۲ (ربّنا عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك) .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 140171
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي