169
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

الّذي لا يعلمه إلّا اللّه ، وإنّ علم الملائكة والأنبياء والأئمّة المعصومين بالمستقبل قابل للبداء ، لذلك فإنّهم لا يعتمدون على علمهم ولا يخبرون عن المستقبل بشكل مطلق، إلّا في المواضع الّتي أخبر اللّه عن عدم وقوع البداء فيها كظهور المنجي الموعود وإقامة الإمام المهدي(عج) الحكومة العالمية ، لذلك يروي لنا الإمام الباقر عليه السلام عن الإمام السجّاد عليه السلام قوله :
لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ لَحَدَّثتُكُم بِما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَقُلتُ لَهُ : أيَّةُ آيَةٍ ؟ قالَ : قَولُ اللّهِ عز و جل :«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ».۱
ومن بين الإتهامات الموجّهة ضدّ الشيعة هي أنّهم وضعوا حكم البداء كي يبرّروا به أخبار أئمّتهم ووعودهم الّتي لم تتحقّق ، يقول الغفاري :
لو سقطت عقيدة البداء لانتقض دين الاثني عشرية من أصله ؛ لأنّ أخبارهم و وعودهم الّتي لم يتحقّق منها شيء تنفي عنهم صفة الإمامة .۲
إنّ الإجابة على هذا الإشكال واضحة بالنظر إلى المباحث السابقة، ذلك لأنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لا يخبرون عن التقديرات القابلة للبداء بشكل مطلق أبداً . بعبارة اُخرى : إن كانت أخبارهم عن المستقبل مطلقة ولم تقترن بأيّ قيد ، فإنّ هذا الموضوع سيحدث قطعا ، وإن اقترنت هذه الأخبار بقيود مثل : «وللّه فيه المشيئة» فإنّ هناك إمكانيّة البداء في هذه الاُمور . وقد ورد في الأحاديث أيضا أنّ اللّه لا يكذّب نبيّه ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام :
فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ .۳
وخلافا لما يروّج له الغفاري من أنّه لم يتحقّق من إخبار الأئمّة عليهم السلام شيء ، بل

1.راجع : ص ۱۵۱ ح ۵۸۹۷ .

2.اُصول مذهب الشيعة: ج ۲ ص ۹۴۳ .

3.راجع : ص ۱۸۴ ح ۵۹۳۳ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
168

وهكذا فإنّ الاعتقاد بالبداء الّذي هو الاعتقاد ببسط يد اللّه في التقديرات، هو ردّ على اعتقاد اليهود بأنّ يد اللّه مغلولة ، وإنّ الذين ينكرون البداء بمعناه الصحيح، إنّما هم في صفّ اليهود ، ومن الطريف أن نعلم أنّ بعض منكري البداء يتّهمون الشيعة بتوافقهم مع اليهود في البداء ، في حين أنّ معارضي البداء يتّفقون مع اليهود استنادا إلى الآية المتقدمة .
يبدو لنا أنّ أحد أسباب إنكار من قبل أهل السنّة هو وجود جملة من الأحاديث في مصادرهم المعتبرة تدلّ على أنّ اللّه قد فرغ من القضاء والقدر ، وتنفي كلّ تغيير فيهما ، سنجعل هذه الأحاديث في معرض البحث والتّقويم في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى .

ب . معرفة النبيّ والإمام (علم النبوّة والإمامة)

بلغت أهمّية البداء في معرفة النبي حدّا ، بحيث روي عن الإمام الرضا عليه السلام :
ما بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّا قَطُّ إلّا بِتَحرِيمِ الخَمرِ وأن يُقِرَّ لَهُ بِالبَداءِ .۱
فالإعتقاد بإمكانيّة البداء وقابلية التغيير في التقديرات يمنح النبي الاعتقاد ، بقدرة اللّه المطلقة وبسط يده ، حيث يُفهمه أنّ هذه التقديرات قابلة للتغيير رغم أنّه عالم بتقديرات العالم يفضل اللّه ، وأنّ اللّه وحده هو الّذي يتمتّع بالعلم المطلق ، وبالتالي فإنّ النبيّ لا يستند إلى علمه ، بل يعتبر نفسه مرتبطا باللّه في جميع اُموره .
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال :
إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ .۲
بناءً على ذلك، فإنّ العلم الّذي لا يقبل التغيير هو علم اللّه المكنون المخزون

1.التوحيد : ص ۳۳۴ .

2.راجع : ص ۱۷۴ ح ۵۹۱۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 115863
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي