17
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

ويمتلك إمكانيتها من الوجود وكمال الوجود. والظلم يعني منع الفيض وإمساك الجود عن الوجود الّذي يستحقّه .
فصفة العدل من وجهة نظر الحكماء الإلهيّين ، تُثَبّت كصفة كمال للذات الأحدية وكما يليق بذات الربّ ، بالمعنى المذكور ، وصفة الظلم الّتي هي نقص والّتي تُسلَب منه هي أيضا بالمعني الّذي أشرنا إليه! . ۱
استنادا إلى هذا التعريف، فإنّ العدل الإلهي لا يُعتبر من الناحية العقلية صفة على علاقة بالقيم ؛ لأنّ العقل لا يحقّ له التدخّل في شأن اللّه .
وهكذا، فإنّ الفلاسفة لا يعتبرون الحُسن والقبح العقليّين جاريين فيما يتعلّق باللّه وهم يتّفقون مع الأشاعرة في تفسير العدل الإلهي.
وهذا الرأي لا يمكن الأخذ به للأسباب التالية:
أ ـ يمثّل الحسن والقبح قانونا وقاعدة عقلية ، والقانون العقلي لا يقبل التخصيص. ولذلك فإنّ القول بأنّ مفاهيم الحُسن والقبح لا مجال لها في ساحة كبرياء اللّه كمقياس ومعيار ليس صحيحا ؛ لأنّ هذا القول يعني أنّ العقل يعتبر ـ على سبيل المثال ـ التكليف بما لا يُطاق قبيحا، ولكنّه لا يمكن أن يعتبره قبيحا إذا ما قام اللّه ـ تعالى ـ بمثل هذا العمل.
ب ـ إنّ جميع الآيات والأحاديث الّتي تنزّه الساحة الإلهية المقدّسة عن الظلم وتثبت صفة العدالة له ، تؤيّد عدم قبول قانون الحُسن والقبح العقليّين للتخصيص.
ج ـ إنّ العدل الإلهي هو في الحقيقة أساس العدالة الاجتماعية، ورأي الفلاسفه ـ الموافق لرأي الأشاعرة ـ ناقض لهذا الأساس في الحقيقة، وهذا الرأي ما هو إلّا تجريد للعدل الإلهي من الجدوى في الساحة السياسية والاجتماعية .

1.المصدر السابق : ص ۵۰.


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
16

وإجبار الناس على المعصية ومعاقبتهم عليها . وأمّا الاستدلال بأنّ العالم مُلك اللّه وأنّه يستطيع أن يتصرّف فيه بما يشاء، فلا يزيل قبح هذا النوع من الأفعال.
ممّا يجدر ذكره أنّنا نرى أنّ رأي الأشاعرة في تعريف العدل الإلهي له أساس سياسي قبل أن يقوم على دعامة دينية وكلامية، وسوف نوضّح ذلك مستقبلاً. ۱

ثامنا : العدل الإلهي من منظار الفلاسفة

رغم أنّ الفلاسفة لا ينكرون الحسن والقبح العقليّين ، إلّا أنّهم يرون أنّ العقل لا يمكن أن يكون معيار تقويم أفعال اللّه تعالى . يقول الاُستاذ الشهيد المطهري في هذا المجال:
لا ينكر الحكماء الإلهيّون الحسن والقبح العقليّين ويرفضون رأي الأشاعرة، ولكنّهم يرون أنّ نطاق هذه المفاهيم هو نطاق الحياة البشرية لا غير. فمفاهيم الحسن والقبح باعتبارها مقاييس ومعايير ليس لها ـ من وجهة نظر الحكماء الإلهيّين ـ مجال في ساحة الكبرياء الإلهيّة ، فلا يمكن تفسير أفعال ذات البارئ بهذه المعايير والمقاييس البشرية البحتة. ففي نظر الحكماء أنّ اللّه عادل ، ولكن لا لأنّ العدالة حسنة ، والمشيئة الإلهيّة تقوم على القيام بالأفعال الحسنة لا السيئة ، واللّه ليس بظالم ولا يرتكب الظلم ، ولكن لا لأنّ الظلم قبيح وأنّ اللّه لا يريد القيام بعملٍ قبيح . ۲
على هذا الأساس المتمثّل في أنّ العقل ليس له حقّ تقويم الأفعال الإلهيّة ، فإنّ للفلاسفة تعريفا جديدا لعدالة اللّه ، وهو :
رعاية الاستحقاقات في إفاضة الوجود وعدم الامتناع عن الإفاضة والرحمة بما يتمتّع بإمكان الوجود، أو كمال الوجود... فالعدل الإلهي في نظام التكوين حسب هذا الرأي، يعني أنّ كلّ موجود ينال الدرجة الّتي يستحقّها

1.راجع : ص ۶۴ (سبب اعتبار العدل من اُصول الدين / الأهميّة السياسيّة ـ الاجتماعيّة) .

2.عدل إلهي «بالفارسيّة» : ص ۴۳.

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 139974
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي