العِبادَ عَلَى المَعاصي وكَلَّفَهُم ما لا يُطيقونَ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ فَهُوَ هالِكٌ ، ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ كَلَّفَ العِبادَ ما يُطيقونَ ولَم يُكَلِّفهُم ما لا يُطيقونَ ؛ فَإِذا أحسَنَ حَمِدَ اللّهَ وإذا أساءَ استَغفَرَ اللّهَ فَهذا مُسلِمٌ بالِغٌ ، فَأَخبَرَ عليه السلام أنَّ مَن تَقَلَّدَ الجَبرَ وَالتَّفويضَ ودانَ بِهِما فَهُوَ عَلى خِلافِ الحَقِّ ، فَقَد شَرَحتُ الجَبرَ الَّذي مَن دانَ بِهِ يَلزَمُهُ الخَطَأُ ، وأنَّ الَّذي يَتَقَلَّدُ التَّفويضَ يَلزَمُهُ الباطِلُ ، فَصارَتِ المَنزِلَةُ بَينَ المَنزِلَتَينِ بَينَهُما .
ثُمَّ قالَ عليه السلام : وأضرِبُ لِكُلِّ بابٍ مِن هذِهِ الأَبوابِ مَثَلاً يُقَرِّبُ المَعنى لِلطّالِبِ ويُسَهِّلُ لَهُ البَحثَ عَن شَرحِهِ ، تَشهَدُ بِهِ مُحكَماتُ آياتِ الكِتابِ وتَحَقَّقَ تَصديقُهُ عِندَ ذَوِي الأَلبابِ ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ وَالعِصمَةُ .
فَأَمَّا الجَبرُ الَّذي يَلزَمُ مَن دانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ ـ جَلَّ وعَزَّ ـ أجبَرَ العِبادَ عَلَى المَعاصي وعاقَبَهُم عَلَيها ، ومَن قالَ بِهذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ وكَذَّبَهُ ورَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْـلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»۱ ، وقَولَهُ : «ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَـلَّـمٍ لِّلْعَبِيدِ»۲ ، وقَولَهُ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْـلِمُ النَّاسَ شَيْـئا وَ لَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْـلِمُونَ»۳ ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في ذِكرِ هذا . فَمَن زَعَمَ أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعاصي فَقَد أحالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ وقَد ظَلَّمَهُ في عُقوبَتِهِ . ومَن ظَلَّمَ اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتابَهُ . ومَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِماعِ الاُمَّةِ .
ومَثَلُ ذلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا مَملوكا لا يَملِكُ نَفسَهُ ولا يَملِكُ عَرَضا ۴ مِن عَرَضِ الدُّنيا ، ويَعلَمُ مَولاهُ ذلِكَ مِنهُ فَأَمَرَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالمَصيرِ إلَى السّوقِ لِحاجَةٍ