261
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

فَقالَ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : مَه يا شَيخُ ، فَإِنَّ اللّهَ قَد عَظَّمَ أجرَكُم في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفِي انصِرافِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن اُمورِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ ، لَعَلَّكَ ظَنَنتَ أنَّهُ قَضاءٌ حَتمٌ وقَدَرٌ لازِمٌ ، لَو كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ولَسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعيدُ ، ولَما اُلزِمَتِ الأَشياءُ أهلَها عَلَى الحَقائِقِ ؛ ذلِكَ مَقالَةُ عَبَدَةِ الأَوثانِ وأولِياءِ الشَّيطانِ ، إنَّ اللّهَ ـ جَلَّ وعَزَّ ـ أمَرَ تَخييرا ونَهى تَحذيرا ولَم يُطَع مُكرِها ولَم يُعصَ مَغلوبا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» .
فَقامَ الشَّيخُ فَقَبَّلَ رَأسَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وأنشَأَ يَقولُ :

أنتَ الإِمامُ الَّذي نَرجو بِطاعَتِهِ
يَومَ النَّجاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفرانا

أوضَحتَ مِن دينِنا ما كانَ مُلتَبِسا
جَزاكَ رَبُّكَ عَنّا فيهِ رِضوانا

فَلَيسَ مَعذِرَةٌ في فِعلِ فاحِشَةٍ
قَد كُنتُ راكِبَها ظُلما وعِصيانا

فَقَد دَلَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى مُوافَقَةِ الكِتابِ ونَفيِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ اللَّذَينِ يُلزِمانِ مَن دانَ بِهِما وتَقَلَّدَهُمَا الباطِلَ وَالكُفرَ وتَكذيبَ الكِتابِ ونَعوذُ بِاللّهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالكُفرِ ، ولَسنا نَدينُ بِجَبرٍ ولا تَفويضٍ ، لكِنّا نَقولُ بِمَنزِلَةٍ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وهُوَ الاِمتِحانُ وَالاِختِبارُ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَنَا اللّهُ وتَعَبَّدَنا بِها عَلى ما شَهِدَ بِهِ الكِتابُ ، ودانَ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَبرارُ مِن آلِ الرَّسولِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
260

ما عَلَيهِ أقدَرَكَ ، أما سَمِعتَ النّاسَ يَسأَلونَ الحَولَ وَالقُوَّةَ حينَ يَقولونَ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ .
قالَ عَبايَةُ : وما تَأويلُها يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟
قالَ عليه السلام : لا حَولَ عَنِ مَعاصِي اللّهِ إلّا بِعِصمَةِ اللّهِ ولا قُوَّةَ لَنا عَلى طاعَةِ اللّهِ إلّا بِعَونِ اللّهِ ، قالَ : فَوَثَبَ عَبايَةُ فَقَبَّلَ يَدَيهِ ورِجلَيهِ .
ورُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حينَ أتاهُ نَجدَةُ يَسأَلُهُ عَن مَعرِفَةِ اللّهِ ، قالَ : يا أميرَالمُؤمِنينَ بِماذا عَرَفتَ رَبَّكَ ؟
قالَ عليه السلام : بِالتَّمييزِ الَّذي خَوَّلَني وَالعَقلِ الَّذي دَلَّني .
قالَ : أفَمَجبولٌ أنتَ عَلَيهِ ؟
قالَ : لَو كُنتُ مَجبولاً ما كُنتُ مَحمودا عَلى إحسانٍ ولا مَذموما عَلى إساءَةٍ ، وكانَ المُحسِنُ أولى بِاللّائِمَةِ مِنَ المُسيءِ ، فَعَلِمتُ أنَّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ وما دونَهُ حَدَثٌ حائِلٌ زائِلٌ ، ولَيسَ القَديمُ الباقي كَالحَدَثِ الزّائِلِ .
قالَ نَجدَةُ : أجِدُكَ أصبَحتَ حَكيما يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أصبَحتُ مُخَيَّرا ، فَإِن أتَيتُ السَّيِّئَةَ بِمَكانِ الحَسَنَةِ فَأَنَا المُعاقَبُ عَلَيها .
ورُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ بَعدَ انصِرافِهِ مِنَ الشّامِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن خُروجِنا إلَى الشّامِ بِقَضاءٍ وقَدَرٍ ؟
قالَ عليه السلام : نَعَم يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً ۱ ولا هَبَطتُم وادِيا إلّا بِقَضاءٍ وقَدَرٍ مِنَ اللّهِ .

1.التَلْعَةُ : ما ارتفع من الأرض (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۹۲ «تلع») .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 144148
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي