263
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

غَيرَ ظالِمٍ لَهُ لِما تَقَدَّمَ إلَيهِ وأعلَمَهُ وعَرَّفَهُ وأوجَبَ لَهُ الوَفاءَ بِوَعدِهِ ووَعيدِهِ ، بِذلِكَ يوصَفُ القادِرُ القاهِرُ . وأمَّا المَولى فَهُوَ اللّهُ جَلَّ وعَزَّ ، وأمَّا العَبدُ فَهُوَ ابنُ آدَمَ المَخلوقُ ، وَالمالُ قُدرَةُ اللّهِ الواسِعَةُ ، ومِحنَتُهُ إظهارُهُ الحِكمَةَ وَالقُدرَةَ ، وَالدّارُ الفانِيَةُ هِيَ الدُّنيا وبَعضُ المالِ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ هُوَ الاِستِطاعَةُ الَّتي مَلَّكَ ابنَ آدَمَ . وَالاُمورُ الَّتي أمَرَ اللّهُ بِصَرفِ المالِ إلَيها هُوَ الاِستِطاعَةُ لِاتِّباعِ الأَنبِياءِ وَالإِقرارِ بِما أورَدوهُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ ، وَاجتِنابُ الأَسبابِ الَّتي نَهى عَنها هِيَ طُرُقُ إبليسَ . وأمّا وَعدُهُ فَالنَّعيمُ الدّائِمُ وهِيَ الجَنَّةُ . وأمَّا الدّارُ الفانِيَةُ فَهِيَ الدُّنيا ، وأمَّا الدّارُ الاُخرى فَهِيَ الدّارُ الباقِيَةُ وهِيَ الآخِرَةُ . وَالقَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفويضِ هُوَ الاِختِبارُ وَالاِمتِحانُ وَالبَلوى بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَ العَبدَ .
وشَرحُها فِي الخَمسَةِ الأَمثالِ الَّتي ذَكَرَهَا الصّادِقُ عليه السلام 1 أنَّها جَمَعَت جَوامِعَ الفَضلِ ، وأنَا مُفَسِّرُها بِشَواهِدَ مِنَ القُرآنِ وَالبَيانِ إن شاءَ اللّهُ .
أمّا قَولُ الصّادِقِ عليه السلام ، فَإِنَّ مَعناهُ كَمالُ الخَلقِ لِلإِنسانِ ، وكَمالُ الحَواسِّ وثَباتُ العَقلِ وَالتَّمييزِ وإطلاقُ اللِّسانِ بِالنُّطقِ ؛ وذلِكَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَـهُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَـهُم مِّنَ الطَّيِّبَـتِ وَ فَضَّلْنَـهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» 2
، فَقَد أخبَرَ عز و جل عَن تَفضيلِهِ بَني آدَمَ عَلى سائِرِ خَلقِهِ مِنَ البَهائِمِ وَالسِّباعِ ودَوابِّ البَحرِ وَالطَّيرِ وكُلِّ ذي حَرَكَةٍ تُدرِكُهُ حَواسُّ بَني آدَمَ بِتَمييزِ العَقلِ وَالنُّطقِ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَـنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» 3 . وقَولُهُ : «يَـأَيُّهَا الْاءِنسَـنُ مَا

1.أي صحّة الخلقة ، وتخلية السرب ، والمهلة في الوقت ، والزاد ، والسبب المهيّج .

2.الاسراء : ۷۰ .

3.التين : ۴ .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
262

ومَثَلُ الاِختِبارِ بِالاِستِطاعَةِ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا ومَلَكَ مالاً كَثيرا أحَبَّ أن يَختَبِرَ عَبدَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِما يَؤولُ إلَيهِ ، فَمَلَّكَهُ مِن مالِهِ بَعضَ ما أحَبَّ ووَقَفَهُ عَلى اُمورٍ عَرَّفَهَا العَبدَ ، فَأَمَرَهُ أن يَصرِفَ ذلِكَ المالَ فيها ونَهاهُ عَن أسبابٍ لَم يُحِبَّها وتَقَدَّمَ إلَيهِ أن يَجتَنِبَها ولا يُنفِقَ مِن مالِهِ فيها ، وَالمالُ يُتَصَرَّفُ في أيِّ الوَجهَينِ ، فَصَرفُ المالَ أحَدُهُما فِي اتِّباعِ أمرِ المَولى ورِضاهُ ، وَالآخَرُ صَرفُهُ فِي اتِّباعِ نَهيِهِ وسَخَطِهِ . وأسكَنَهُ دارَ اختِبارٍ أعلَمَهُ أنَّهُ غَيرُ دائِمٍ لَهُ السُّكنى فِي الدّارِ ، وأنَّ لَهُ دارا غَيرَها وهُوَ مُخرِجُهُ إلَيها فيها ثَوابٌ وعِقابٌ دائِمانِ .
فَإِن أنفَذَ العَبدُ المالَ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ فِي الوَجهِ الَّذي أمَرَهُ بِهِ جَعَلَ لَهُ ذلِكَ الثَّوابَ الدّائِمَ في تِلكَ الدّارِ الَّتي أعلَمَهُ أنَّهُ مُخرِجُهُ إلَيها ، وإن أنفَقَ المالَ فِي الوَجهِ الَّذي نَهاهُ عَن إنفاقِهِ فيهِ جَعَلَ لَهُ ذلِكَ العِقابَ الدّائِمَ في دارِ الخُلودِ . وقَد حَدَّ المَولى في ذلِكَ حَدّا مَعروفا وهُوَ المَسكَنُ الَّذي أسكَنَهُ فِي الدّارِ الاُولى ، فَإِذا بَلَغَ الحَدَّ استَبدَلَ المَولى بِالمالِ وبِالعَبدِ عَلى أنَّهُ لَم يَزَل مالِكا لِلمالِ وَالعَبدِ فِي الأَوقاتِ كُلِّها ، إلّا أنَّهُ وَعَدَ ألّا يَسلُبَهُ ذلِكَ المالَ ما كانَ في تِلكَ الدّارِ الاُولى إلى أن يَستَتِمَّ سُكناهُ فيها ، فَوَفى لَهُ ؛ لِأَنَّ مِن صِفاتِ المَولى العَدلَ وَالوَفاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكمَةَ ، أوَ لَيسَ يَجِبُ إن كانَ ذلِكَ العَبدُ صَرَفَ ذلِكَ المالَ فِي الوَجهِ المَأمورِ بِهِ أن يَفِيَ لَهُ بِما وَعَدَهُ مِنَ الثَّوابِ ، وتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِأَنِ استَعمَلَهُ في دارٍ فانِيَةٍ وأثابَهُ عَلى طاعَتِهِ فيها نَعيما في دارٍ باقِيَةٍ دائِمَةٍ .
وإن صَرَفَ العَبدُ المالَ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ أيّامَ سُكناهُ تِلكَ الدّارَ الاُولى فِي الوَجهِ المَنهِيِّ عَنهُ وخالَفَ أمرَ مَولاهُ ، كَذلِكَ تَجِبُ عَلَيهِ العُقوبَةُ الدّائِمَةُ الَّتي حَذَّرَهُ إيّاها ،

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 143862
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي